ما عناء الكبير بالحسناء - أبو إسحاق الألبيري

ما عناء الكبير بالحسناء
وهو مثل الحباب فوق الماء

يتصابى ولات حين تصاب
بعيون المها وسرب الظباء

ولعمري لما تحب فتاة
يفنا لو غدا من الخلفاء

وتحب الفتى الرقيق الحواشي
حب ذي الجدب صادق الأنواء

كيف لا وهو يهنأ النقب منها
بهناء يزيد في البرحاء

لحكاها لطافة وحكته
فهما في الهوى كمزج الهواء

لا كصاد أناخ عند قليب
دون دلو يدلي به ورشاء

يلحظ الماء حسرة وهو منه
متدان في حالة المتنائي

كل قرن يعد سيفا كليلا
للقاء يخونه في اللقاء

فمن الرأي أن تكون جبانا
سامريا يدين بالانزواء

عجبا كم رأيت مالا مصونا
وفؤادا نهبا بأيدي النساء

وإذا حازم على المال أبقى
فقواه أحق بالإبقاء

فتساوى الرجال في مثل هذا
فالمجانين فيه كالعقلاء

أي خير لوالد في بنيه
وهو عنهم يفر يوم الجزاء

والتقي الموفق البر منهم
عدم كالسماع بالعنقاء

وإذا ما الأديب شبه فيهم
جر أذياله من الخيلاء

وازدرى بالشيوخ واعترض الدأ
ماء جهلا بنفثة الرقاء

ذنب أبتر لعمرك خير
من طويل يجر في الأقذاء

ومن الغبن هجر دار خلود
وبقاء ووصل دار الفناء

واشتغال بفرتنى وبلبنى
وبدعد عن خطبة الحوراء

ولئن عاد ليل رأسي صبحا
ووشى بي شيبي إلى الحسناء

إن عودي لعاجميه لصلب
وفؤادي كصارم مضاء

وأقضي لبانتي وأروي
عامل الرمح من دم العذراء

وأنا قرة لعين صديقي
وقذى في محاجر الأعداء

هذبتني نوائب الدهر حتى
صرت كالوصل بعد طول الجفاء

فسفيني تجري بأطيب ريح
لا بريح ضعيفة نكباء

بعلي بن توبة فاز قدحي
وسمت همتي على الجوزاء

فهنيئا لنا وللدين قاض
مثله عالم بفصل القضاء

يحسم الأمر بالسياسة والعدل
ل كحسم الحسام للأعداء

لو إياس يلقاه قال اعترافا
غلط الواصفون لي بالذكاء

ولو أن الدهاة من كل عصر
خبروه دانوا له بالدهاء

أو رأى أحنف أو احلم منه
حلمه ما انتموا إلى الحلماء

لو رأى أحنفت أو احلم منه
حلمه ما انتموا إلى الحلماء

لو رأى المنصفون بحر نداه
جعلوا حاتما من البخلاء

هو أوفى من السموءل عهدا
ولما زال معرما بالوفاء

وحيا المزن ذو حياء إذا ما
هملت كفه بوبل العطاء

يشهد العالمون في كل فن
أنه كالشهاب في العلماء

وقضاة الزمان أرض لديه
وهو من فوقهم كأفق السماء

لتعرضت مدحه فكأني
رمت بحرا مساجلا بالدلاء

فأنا مفحم على أن خيلي
لا تجارى في حلبة الشعراء

لكساني بمجده ثوب فخر
طال حتى جررته من ورائي

ولو انصفته وذاك قليل
كان خدي لرجله كالحذاء

فأنا عبده وذاك فخاري
وجمالي بين الورى وبهائي

وثنائي وقف عليه وشكري
ودعائي له بطول البقاء