كذبت ظنونُك ما العزاء جميلا - ابن الزقاق البلنسي

كذبت ظنونُك ما العزاء جميلا
أوما رأيت دم العلا مطلولا

هذا جواد أبي شجاع مخبر
إن الجوادانقضّ عنه قتيلا

ولطالما لبس الدروعَ غلائلا
ولطالما جرَّ الرماح ذيولا

وسرى إلى الغارات وهي كتيبة
ملْ الفضاء فوارساً وخيولا

واستقبل الزمنَ البهيم فلم تزل
أيامه غرراً به وحجولا

حتى استفاض عليه بحر حمامه
يربدُّ فيه أسنَّة ونصولا

في مأزق ضنك المسالك رتلت
فيه الظُّبا سُوَرَ الردى ترتيلا

خام الكماة فكرّ كرة ضيغم
لم يرض إلا السمهرية غيلا

لبس الشهادة حلَّة ً حمراء من
علق تعم السابريّ فضولا

يا شدّ ما تخذ المنية خلّة
من بعد ما اتخذ الحسام خليلا

وأجال عادية الجياد محارباً
وأذل أعناق البلاد منيلا

يا راحلاً ركب الحمام مطيَّة
هل ترتجي بعد الرحيل قفولا

غادرت معمور المكارم بلقعا
وتركت ربع المعلوات محيلا

إن كنت ودعت الحياة فإنما
أوذعت داءً في القلوب دخيلا

أو كان واراك الصفيح فإنما
وارى رقيق الشفرتين صقيلا

أزرى به طولُ الضراب وغادرتْ
في مضربيه الحادثات فلولا

أما الأنام : عيونهم وقلوبهم
فلق ملئن مدامعاً وغليلا

عندي حديث عن وجيب ضلوعهم
لو كنتَ تصغي للحديث قليلا

لم تبق من نطف المدامعي قطرة
إلا وراح مصونها مبذولا

ما زلت صباً بالشهادة في الوغى
حتى وجدت إلى الوصال سبيلا

فبكى الحصان الأعوجيّ تحمحماً
والهندواني الجراز صليلا

واغرورقت عين السماء وربما
رفعت كواكبها عليك عويلا

وتغير الصبح المنير فخلته
مما تسربل بالشحوب أَصيلا

يا حسرة ً نفتِ الرقادَ وأَطلعتْ
للشيب في رأسِ الوليد نصولا

ما كان أَحرانا لمصرع أرقمٍ
أن نغتدي في حيث حلّ حلولا

أفبعده تبغي الحياة إذن فلا
دفع البكاء منا عليه غليلا

قل للمؤمل حدت عن شأو المنى

رمت المنون فأصمت المأمولا

واهرب كمن ركب السرى فسرى فتى ً

يحدى السرى بعد الوزير قتيلا كذا

خلع ابن لبون ثياب حياته
فاخلع وجيفاً بعد وذميلا

يا حامليه للثرى رفقاً به
فالمجد أصبح للثرى محمولا

خصّوا به قلب الشجي لفقده
ولتجعلوه من الضريح بديلا

أو فاكفيله يا سماء فانه
ما اعتاد نجم في سواك أفولا

كان الشهاب المستضيء فلم ينب

عن نوره نور الّسماك دليلا

كان الغمام المستهل فما لنا
نشكو أوان همى السحاب محولا

يا دهر أنَّى غلت منه مثقفاً
لدن المهزّ وصارماً مصقولا

يا قبر كيف وسعت منه سحابة ً
وطفاءَ ساحبة الذيول هطولا

عظم المصاب وقد أصيب بمعرك
أخذت به منه العداة ذحولا

والرزء ليس يجل أو يُلفى الذي
أصماهُ سهم الحادثات جليلا

أين الذي ملكت علاه نواظراً
ومسامعاً وقرائحاً وعقولا

وسرى فسمّينا النجوم حباحباً
وحبا قسمينا الغمام بخيلا

من ذا يسدُّ مكانه في غارة
تركت سوابقها الحزون سهولا

أم من ينوب منابَهُ لحوادث
تذر العزيز بحكمهن ذليلا

أولم يكن يغشى الحروب منازلا
فيشبّها بحسامه مسلولا

أو ما غدا بجياده فتبخترت
مرحا ورجعت الغناء صهيلا

ما باله نبذ السوابغ والقنا
وأقام عن شغلٍ بها مشغولا

ما باله ترك الجفون سحائباً
ما باله ترك الجسوم طلولا

قد زرت موضع قبره فكأنما
عاطيت منه روضة وقبولا

ونشرت حرّ ثنائه فكأنما
عاطيت منه السامعين شمولا

ما راعنا موت العزيز فلم يزل
حيّاً لمن يتأوَّل التنزيلا

لكن جزعنا للفراق وقد نوى
عنّا إلى دار القرار رحيلا

ألله أنزله الجنان ومدّ من
رضوانه ظلاً عليه ظليلا