لو كنت أعطي من لقائك سولا - ابن زمرك

لو كنت أعطي من لقائك سولا
لم أتخذ برق الغمام رسولا

أو كنت أبلغ من قبولك مأملي
لم أودع الشكوى صبا وقبولا

لكن معتل النسيم إذا سرى
ما زال يوسع ذا الهوى تعليلا

وبملتقى الأرواح دوحة أيكة
جاذبتها عند الغروب مميلا

عهدي بها سدلت علي ظلالها
فسدلت ظلا للشباب ظليلا

رتعت به حولي الظباء أوانسا
فنعمت فيه معرسا ومقيلا

وصقلت للحسناء صفح مودتي
لما اجتليت العارض المصقولا

ثم انتشيت وقد تعاطيت الهوى
ريما اغر وجؤذرا مكحولا

كم فيه من ملح لمرتاد الهوى
تركت فؤاد محبه متبولا

لم ترو لي عيناه حكمة بابل
إلا أخذت حديثها مقبولا

ولقد أجد جواي لما زرته
رسما كحاشية الرداء محيلا

قد أنكرته العين إلا لمحة
عرفت به آثاره تخييلا

وإذا الطلول تعرضت لمتيم
غادرن دمع جفونه مطلولا

من ينجد الصبر الجميل فإنه
بعد الأحبة قد أجد رحيلا

كيف التجمل بعدهم وأنا الذي
أنسيت قيسا في الهوى وجميلا

من عاذري والقلب أول عاذل
فيمن افند لائما وعذولا

أتبعت في دين الصبابة أمة
ما بدلوا في حبهم تبديلا

يا موردا حامت عليه قلوبنا
لو نيل لم تجر المدامع نيلا

ما ضر من رقت غلائله ضحى لو بات ينقع للمحب غليلا
...

كم ذا أعلل بالحديث وبالمنى قلبا كما شاء الغرام عليلا
...

أعديت واصلة الهديل بسحرة
شجوا وجانحة الأصيل نحولا

وسريت في طي النسيم لعلني
احتل حيا بالعقيق حلولا

هذا ووجدي مثل وجدي عندما استشعرت
من ركب الحجاز رحيلا

قد سددوا الانضاء ثم تتابعوا
يتلو رعيل في الفلاة رعيلا

مثل القسي ضوامر قد أرسلت
يذرعن عرض البيد ميلا ميلا

مترنحين على الرمال كأنما
عاطين من فرط الكلال شمولا

إن يلتبس علم الطريق عليهم
جعلوا التشوق للرسول دليلا

يا راحلين وما تحمل ركبهم
إلا قلوب العاشقين حمولا

ناشدتكم عهد المودة بيننا
والعهد فينا لم يزل مسؤولا

مهما وصلتم خير من وطئ الثرى
أن توسعوا ذاك الثرى تقبيلا

يا ليت شعري هل أعرس ليلة
فاشم حولي إذ خرا وجليلا

أو تروني يوما مياه مجنة
ويشيم طرفي شامة وطفيلا

وأحط في مثوى الرسول ركائبي
وأبيت للحرم الشريف نزيلا

بمنازل الوحي التي قد شرفت
قد شافهت أعلامها التنزيلا

بمعاهد الإيمان والدين التي قد صافحت عرصاتها جبريلا
...

ومهاجر الدين الحنيف وأهله
حيث استقر به الأمان دخيلا

دار الرسول ومطلع القمر الذي
ابداؤه ما فارق التكميلا

يا حبذا تلك المعالم والربا
يا حبذا تلك الطلول طلولا

حيث النبوة قد جلت آفاقها
وجها من الحق المبين جميلا

حيث الرسالة فصلت أحكامها
لتبين التحريم والتحليلا

حيث الشريعة قد رست أركانها
فالنص منها يعضد التاويلا

حيث الهدى والدين والحق الذي
محق الضلال واذهب التضليلا

حيث الضريح يضم أكرم مرسل
وأجل خلق الله جيلا جيلا

إن الإله أختارها لمقامه
واختاره للعالمين رسولا

رحم الإله العالمين ببعثه
فيهم وفضل جنسه تفضيلا

بدعائه انقشع الغمام وقبلها
والت بدعوته الغمام همولا

والشمس قد ردت له ولطالما
قد ظللته سحابها تظليلا

لم لا يطاوعه الوجود وقد غدا
من نوره في خلقه معلولا

يا نكتة الأكوان يا علم الهدى
آيات فضلك رتلت ترتيلا

لولاك لم يك للكيان حقيقة
ولكان باب وجودها مقفولا

لولاك للزهر الكواكب لم تلح
مثل الأزاهر ما عرفن ذبولا

لولاك لم تجل السماء شموسها
ولكان سجف ظلامها مسبولا

لولاك ما عبد الاله وما غدا
ربع الجنان بأهله ماهولا

يا رحمة الله التي ألطافها
سحبت علينا للقبول ذيولا

يا حجة الله التي برهانها ما كان يوما صدقة مجهولا
...

كم آية لك قد صدعت بنورها
ليل الضلال وإفكه المنحولا

أوضحتها كالشمس عند طلوعها
وعقلت عن إدراكهن عقولا

واتيت بالذكر الحكيم مبينا
قد فصلت آياته تفصيلا

أثنى عليك بكتبه من أنزل القرآن
والتوراة والإنجيلا

فإذا البليغ يروم مدحك جاهدا
اضحى حسام لسانه مفلولا

يا شافع الرسل الكرام ومن به
يرجون في يوم الحساب قبولا

رفقا بمن ملك القضاء زمامه
فغدا بقيد ذنوبه معقولا

واحسرتا ضيعت عمري في الهوى
والتوب أضحى دينه ممطولا

وجريت في طلق البطالة جامحا
حتى انثنى طرف الشباب كليلا

وعثرت في طلب المفاز جهالة
لكن وجدتك للعثار مقيلا

يا صفوة الله الأمين لوحيه
من أم جاهك أحرز التأميلا

والله ما لي للخلاص وسيلة
إلا رضاك وعفوك المأمولا

إن كنت ما أعددت زادا نافعا
أعددت حبك شافعا مقبولا

صلى عليك الله ما ركب سرى
فأجد وخدا في المفازة ميلا

وأعز من ولاه أمر عباده
فحباهم إحسانه الموصولا

وأقام مفورض الجهاد بعزمة
تركت بأفئدة العداة فلولا

والله ما ادري وقد حضر الوغى
أحسامه ام عزمه مصقولا

ملك إذا لثم الوجود يمينه
فالبحر عذبا والرياض بليلا

أو يخلف الناس الغمام وأمحلوا
فنداه لا يخشى العفاة محولا

من دوحة نصرية يمينة
وشجت فروعا في العلا واصولا

فإذا سألت الكتب نقل فضيلة
لم تلف إلا فخرها منقولا

يا ايها الملك الذي أيامه
وضحت بأوجه دهرهن حجولا

والله ما آثار هديك عندنا
إلا نجوما ما عرفن أفولا

لم يعرف التركيب سيفك في الوغى
فاعجب له قد أحكم التحليلا

كم صورة لك في الفتوح وسورة
تجلى وتتلى بكرة وأصيلا

لم تسر سارية الرياح بطيبة
إلا لتحمل ذكره المعسولا

وكأن صفح البرق سيفك ظل من
غمد الغمامة مرهفا مسلولا

كم بلدة للكفر قد عوضت من
ناقوسها التكبير والتهليلا

صدقت مقدمة الجيوش فصيرت
من حينها موضوعها محمولا

كسروا تماثيل الصليب ومثلوا
بمن انتمى لولائه تمثيلا

لما أحطت بها وحان دمارها
أخرجت مترفها الأعز ذليلا

تجري الدموع وما تبل غليله
فمصفد يبكي هناك قتيلا

سلت يمين الملك منك على العدا
غضبا مهيب الشفرتين صقيلا

لم يرض سيفك أن يحلى جوهرا
حتى يحلى عسجدا محلولا

لم ترض همتك القليل من التقى
حتى أتت بالصالحات قبيلا

فأقمت ميلاد الرسول بليلة
أوضحت فيها للجهاد سبيلا

حيث القباب البيض جللت الربا
أزهار روض ما اكتسين ذبولا

ومواقد النيران تذكى حولها
فينير مشعلها ربا وسهولا

والأفق فوقك قبة محبوكة
مدت عليك طرافها المسدولا

ورمى إليك ببدره ونجومه
يهديك منه التاج والإكليلا

حيث الكتائب قد تلاطم موجها
وتدفقت فيها الخيول سيولا

زخرت بأمواج الحديد وربما
ضاق الفضاء فما وجدن مسيلا

يتجاوب التكبير في جنباتها
فتعيده غر الجياد صهيلا

حملت من الأبطال كل مشمر
لا يقتني سمر القنا ونصولا

آساد ملحمة إذا اشتجر الوغى
دخلوا من الاسل المثقف غيلا

إن شمروا يوم الحروب ذيولهم
سحبوا من الزرد المفاض ذيولا

أو قصروا يوم الطعان رماحهم
وصلوا بها الخطو الوساع طويلا

يا ليلة ظفرت يداي بأجرها
وسهرت فيها بالرضا مشمولا

والله لو عوضت عنك شبيبتي
ما كنت ارضى بالشباب بديلا

يا ناصر الإسلام يا ملك العلا
الله يؤتيك الجزاء جزيلا

جهز جيوشك للجهاد موفقا
وكفى بربك كافيا وكفيلا

ولتبعد الغارات في أرض العدا
والله حسبك ناصرا ووكيلا

وإليك من سمر الجهاد غريبة
جاءت تقرظك الثناء جميلا

وأطلت لكني أطبت وعادتي
ألفى مطيبا في المديح مطيلا

لا زال نصرك كلما استنجدته
لمهم دينك عائدا موصولا