أَمَا وَالْهَوَى لَوْلاَ الْجُفُونُ السَّوَاحِرُ - ابن معتوق

أَمَا وَالْهَوَى لَوْلاَ الْجُفُونُ السَّوَاحِرُ
لَمَا عَلِقَتْ فِي الْحُبِّ مِنَّا الْخَوَاطِرُ

ولولا العيونُ النَّاعسات لما رعتْ
نُجُومَ الدُّجَى مِنَّا الْعُيُونُ السَّوَاهِرُ

وَلَوْلا ثُغُورٌ كَالْعُقُودِ تَنَظَّمَتْ
لما انتثرتْ منَّا الدموعُ البوادر

وَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ الْحَتْفُ يَعْرِضُ لِلْفَتَى
وما وجههُ إلاَّ الوجهٌ النَّواضرُ

وَإِنَّا أُنَاسٌ دِينُ ذِي الْعِشْقِ عِنْدَنَا
إِذَا لَمْ يَمُتْ فِيْهِ قَضَى وَهْوَ كَافِرُ

خوَلَمْ يُرْضينَا في الحُبِّ شقُّ جُيوُبِنَا
إذا نحنُ لمْ تنشقَّ منَّا المرائرُ

لَقِينَا الْمَنَايَا قَبْلَ نَلْقَى سُيُوفَهَا
تُسَلُّ مِنَ الأَجْفَانِ وَهْيَ نَوَاظِرُ

نروعُ المواضي وهي بيضٌ فواتكٌ
وَنُشْفِقُ مِنْهَا وَهْيَ سُودٌ فَوَاتِرُ

وَنَخْشَى رِمَاحَ الْمَوْتِ وَهْيَ مَعَاطِفٌ
وَنَسْطُو عَلَيْهَا وَهْيَ سُمْرٌ شَوَاجِرُ

نَعُدُّ الْعَذَارَى مِنْ دَوَاهِي زَمَانِنَا
وَأَقْتَلُهَا أَحدَاقُهَا وَالْمَحَاجِرُ

وَنَشْكُو إِلَيْهَا دَائِرَاتِ صُرُوفِهِ
وأعظمها أطواقها والأساورُ

لنا قدرٌ في دفعِ كلِّ ملمَّة ٍ
تُلِمُّ بِنَا إِلاَّ الْنَوَى وَالتَّهَاجُرُ

وَلَيْسَ لَنَا لَذْعُ الأَفَاعِي بِضَائِرٍ
إذا لمْ تظافرنا عليهِ الظّفائرُ

أَلَمْ يَكْفِ هَذَا الدَّهْرُ مَا صَنَعَتْ بِنَا
لياليهِ حتّى ساعدتها الغدائرُ

رعى اللهُ حيّاً بالحمى لم تزلْ بهِ
تُعَانِق آرَامَ الْخُدُودِ الْخَوَادِرُ

تَمِيلُ بِقُمْصَانِ الْحَدِيدِ أُسُودُهُ
وتمرحُ في وشيِ الحريرِ الجآذرُ

حمتهُ بطعناتِ الخواطرِ دونهُ
قددُ الغوانيْ والرّماحُ الخواطرُ

محلٌّ بهِ الأغصانُ تحملُ عسجداً
وَتَنبتُ مَا بَيْنَ الشِّفَاهِ الْجَوَاهِرُ

وتلتفُّ منْ فوقِ الغصونِ وتلتوي
على مثلِ أحقاءِ اللّجينِ المآزرُ

تَظُنُّ عَلَيْهِ أَلَّفَتْ أَنْجُمَ الدُّجَى
يَدَا نَاظِمٍ أَوْ فَرَّقَ الدُّرَّ نَاثِرُ

ملاعبهُ هالاتهُ وبيوتهُ
بُرُوجُ الدَّرارِي وَالْنَوَادِي الدَّوَائِرُ

وَحَيَّا الْحَيَا فِيْهِ وُجُوهاً إِذَا انْجَلَتْ
تُعِيدُ ضِيَاءَ الصُّبْحِ وَاللَّيْلُ عَاكِرُ

وجوهاً ترى منها بدوراً تعممتْ
ومنها شموساً قنّعتها الدّياجرُ

تَرَدَّدَ مَاءُ الْحُسْنِ بَيْنَ خُدُودِهَا
فأصبحَ منها جارياً وهوَ حائرُ

فديتهمْ منْ أسرة ٍقد تشاكلتْ
مهاجرهمْ في فتكها والخناجرُ

إِذَا مِنْ مَوَاضِيهِمْ نَجَا قَلْبُ زَائِرٍ
فمنْ بيضهمْ ترديهِ سودٌ بواترُ

أقاموا على الأبوابِ حجّابَ هيبة ٍ
فَلَمْ يَغْشَهُمْ لَيْلاً سِوَى النَّوْمِ زَائِرُ

فلولاهمُ لم يصبِ صوتٌ لمنشدٍ
وَلاَ هَزَّ أَعْطَافَ الْمُحِبِّينَ سَامِرُ

وَلَوْلاَ غَوَالِي لُؤْلُوءِ فِي نُحُورِهِمْ
وَأَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُحْسِنِ النَّظْمَ شَاعِرُ

فما الحسنُ إلا روضة ٌ ذاتُ بهجة ٍ
وما همُ إلا وردها والأزاهرُ

لَقَدْ جَمَعَ اللهُ الْمَحَاسِنَ فِيهِمِ
كَمَا اجْتَمَعَتْ بِابْنِ الْوَصِيِّ الْمَفَاخِرُ

سَلِيلُ عَلِيَّ الْمُرْتَضَى وَسَمِيَّهُ
كَرِيمٌ أَتَتْ فِيْهِ الْكِرَامُ الأَكَابِرُ

عَزيزٌ لَدَى الْمِسْكِينِ يُبْدِي تَذَلُّلاً
وتسجدُ ذلاً إذ تراهُ الجبابرُ

منيرٌ تجلّى في سماواتِ رفعة ٍ
كَوَاكِبُهَا أَخْلاَقُهُ وَالْمَآثِرُ

مليكٌ أقامَ اللهُ في حملِ عرشهِ
مُلُوكاً هُمُ أَبْنَاؤُهُ وَالْعَشَائِرُ

عظيمٌ يضيقُ الدّهرُ عنْ كتمِ فضلهِ
فلو كانَ سرّاً لمْ تسعهُ الضّمائرُ

فَمَا الْمَجْدُ إِلاَّ حُلَّة ٌ وَهْوَ ناسِجٌ
وما الحمدُ إلا خمرة ٌ وهوَ عاصرُ

يُسِرُّ الْعَطَايَا وَهْوَ ذُو شَغَفٍ بِهَا
وَهَيْهَاتِ تَخْفَى مِنْ مُحِبٍّ سَرَائِرُ

يُحَدّثُ عَنْهُ فَضْلُهُ وَهْوَ صَامِتٌ
وَيَخْفَى نَدَاهُ وَهُوَ فِي الْخَلْقِ ظَاهِرُ

يغصُ العدا في ذكرهِ وهوَ طيّبٌ
وكمْ طيذبٍ فيهِ تغصُّ الخناجرُ

إِذَا اشْتَدَّ ضِيقُ الأَمْرِ بَانَ ارْتِخَاؤُهُ
وهلْ تحدثُ الصّهباءُ لولا المعاصرُ

غَمَامٌ إِذَا ضَنَّ الْغَمَامُ بِجَوْدِهِ
توالتْ علينا منْ يديهِ المواطرُ

فَأَيْنَ الْجِبَالُ الشُّمُّ مِنْ وَزْنِ حِمْلِهِ
وَمِنْ فَتْكِهِ أَينَ الأُسُودُ الْقَسَاوِرُ

وَأَيْنَ ذَوُوا الرَّايَاتِ مِنْهُ إِذَا سَطَا
وما كلُّ خفّاقِ الجناحينِ كاسرُ

همامٌ أعادَ المجدَ بعدَ مماتهِ
وَجَدَّدَ رَسْمَ أَلْجُودِ والْجُودُ دَاثِرُ

وَوَرَّدَ وَجْنَاتِ الظُّبَى وَتَسَوَّدَتْ
ببيضِ عطايا راحتيهِ الدّفاترُ

لهُ شيمٌ تصحو فتفني حطامهُ
هِبَاتٌ كَمَا تُفْنِي الْعُقُولَ الْمَسَاكِرُ

فَكَمْ هَمَّ فِي عَثْرِ الْمَنَايَا إِلَى الْمُنَى
فجازَ عليها والسّيوفُ القناطرُ

وكمْ وقفة ٍ معروفة ٍ في العدا لهُ
لَهَا مَثَلٌ فِي سَائِرِ النَّاسِ سَائِرُ

وكمْ مَوقفٍ أثنتْ صُدورَ القَنايه
عليهِ وذمّتهُ الكلى والخواصرُ

ولمْ أنسَ في الميناتِ يومَ تجمّعتْ
قبائلُ أحزابِ العدا والعشائرُ

عَصَائِبُ بَدْوٍ أَخْطَأُوا بَادِىء الْهَوَى
فراموهُ بالخذلانِ واللهُ ناصرُ

تمنّوا محالاً لا يرامُ وخادعوا
وَقَدْ مَكَرُوا وَاللهُ بِالْقَوْمِ مَاكِرُ

أَصَرُّوا علَى الْعِصْيَانِ سِرّاً وَأَظْهَرُوا
لهُ طاعة ً والكلُّ بالعهدِ غادرُ

وقدْ جحدوا نعمى عليٍّ وأنكروا
كَمَا جَحَدُوا نَصَّ الْقَدِيرِ وَكَابَرُوا

توالوا على عزلِ الوصيِّ ضلالة ً
وَقَدْ حَسَّنُوا الْشُوْرَى وَفِيْهَا تَشَاوَرُوا

شَيَاطِينُ إِنْسٍ جُمِّعُوا حَوْلَ كَاهِنٍ
وأمّة ُ غيٍّ بينها قامَ ساحرُ

فقامَ إليهمْ إذْ بغوا أدعياؤهُ
رُعَاة ٌ بِهَا تَجْرِي الْعِتَاقُ الصَّوَارِمُ

وَكُلُّ فَتى ً مِثْلُ الشِّهَابِ إِذَا ارْتَمْى
غدا لشياطينِ العدا وهوَ داحرُ

وَفُرْسَانُ حَرْبٍ مِنْ بَنيهِ إِلَى الْعِدَا
مَوَارِدُهُمْ مَعْرُوفَة ٌ وَالْمَصَادِرُ

أسودٌ إذا ما كشّرَ الحربُ نابهُ
سطوا والظّبا أنيابهمْ والأظافرُ

يهزّونَ في نارِ الوغى كلَّ جدولٍ
يَمْوجُ بِهِ بَحْرٌ مِنَ الْمَوْتِ زَاخِرُ

هُمُ عَشْرَة ٌ فِي الفَضْلِ كَامِلَة ٌ لَهُمْ
مَآثِرُ فَخْرٍ لِلنُّجُومِ تُكَاثِرُ

بهمْ شغفتْ منهُ الحواسُ معَ القوى
فصحّتْ لهُ أعضاؤهمْ والعناصرُ

همُ جمراتُ الحربِ يومَ حروبهِ
وَفِي السِّلْمِ أَسْنَى سَمْعِهِ والْمَحَاجِرُ

إذا شرفوا فوقَ السّروجِ حسبتهمْ
بدورَ تمامٍ للمعالي تبادرُ

فمنْ شئتَ منهمْ فهوَ في السّبقِ أوّلٌ
وَمَنْ شِئْتَ منهْمُ فَهْوَ في الِعزِّ آخِرُ

فَلَّمَا الْتَقَى الجَمْعَانِ وَانْكَشَفَ العِطَا
وقدْ غابَ ذهنُ المرءِ والموتُ حاضرُ

وَقَدْ حَارَتِ الأَبْصَارُ فالْكُلُّ شَاخِصٌ
على وجناتِ الموتِ والرّيقُ غائرُ

وأضحتْ نفوسُ الشّوسِ وهيَ بضائعٌ
بِسُوقِ الرَّدَى وَالْمَكْرُمَاتُ الْمَتَاجِرُ

سطا وسطوا في إثرهِ يلحقونهُ
يُريدُونَ أَخْذَ الثَّارِ وَالنَّقْعُ ثائِرُ

وَصَالَ وَصَالُوا كالأُسُودِ عَلَى الْعِدَا
فَفَرُّوا كَمَا فَرَّتْ ظِبَاءٌ نَوَافِرُ

فَكَمْ تَرَكُوا مِنْهُمْ هُمَاماً عَلَى الثَّرَى
طريحاً ومنهُ الرّأسُ بالجوِّ طائرُ

فَلَمْ يَخْلُ مِنْهُمْ هَارِبٌ مِنْ جِرَاحَة ٍ
فَإِنْ قِيْلَ فِيهِمْ سَالِمٌ وَهْوَ نَادِرُ

تولّوا وخلّوا غانياتِ خدورهمْ
مبرقعة ً بالذّلِّ وهي سوافرُ

تنادي ولا فيهمْ سميعٌ يجيبها
فَتَلْطِمُ حُزُنْاً وَالْرُّؤُّوسُ حَوَاسرُ

فصاحتْ بأعلى الصّوتِ يا حامي الحمى
الْحِمَى لعَفْوُكَ مَأْمُونٌ مِمَّا تُحاذِرُ

فردَّ عليها سترها بعدَ هتكهِ
وبشّرها بالأمنِ ممّا تحاذرُ

وَأَمْسَتْ لَدَيْهِ في أَتَمِّ صِيَانَة ٍ
وَإِنْ عَظُمَتْ مِنْ فَوْقِهِنَّ الْجَرائِرُ

فتباً لهمْ منْ معشرٍ ضلَّ سعيهمْ
وقدْ عميتْ أبصارهمْ والبصائرُ

لَقَدْ ضَيَّعُزا مَا اللهُ بِاللَّوْحِ حَافِظٌ
وَقَدْ كَشَفُوا ما الله بالْغَيْبِ سَايرُ

أَلاَ فَاسْمَعُوا يَا حَاضِرُونَ نَصِيحَة ً
تصدّقها أعرابكمْ والحواضرُ

عظيمُ ملوكِ الفرسِ ترفُ قدرهُ
وَتَغْبِطُهُمْ فيْهِ وَفيْكَ الْقَيَاصِرُ

لقدْ شنّفَ الأسماعَ درَّ حديثهِ
وشَمَّتْ فَتِيقَ الْمِسْكِ مِنْهُ المَنَاخِرُ

فشكراً لربّي حيثُ حفّكَ لطفهُ
بِنَصْرٍ وَحَسْبِي أَنَّكَ الْيَوْمَ ظَافِرُ