سكر الدهر - مصطفى وهبي التل (عرار)

سكر الدهر ، فقل لي : كيف أصحو
والنّدى يبخل ، والجود يشحّ

وأنا يا سيدي المفتي كما
قلت عنّي : حيث ينحو الحبّ أنحو

وحياتي ، لا تسل عن كنهها
إنّها حان وألحان وصدح

وأمانيّ شباب فاتها
مثلما فات بني الأردنّ نجح

وعثار الجدّ قد صيّرها
عبرة خرساء هيهات تسحّ

فهي أحيانا بشعري آهة
وهي أحيانا جوى يشجي وبرح

وهي طورا في مغاني قصفهم
عربدات تضحك الثكلى وردح

وهي أحيانا هوى ، طرد الهوى
يتبناه ، فيشفى ، ويصحّ

وهي أحقاد تلظى تارة
فإذا بي وبها : عفو وصفح

وهي أحيانا ظلام دامس
لا أرى أنّي له يطلع صبح

فافتني يا شيخ ! هل لي بعدما
جاءكم عنّي ،عمّا بي ندح

ودع الساقي يدر كأس الطلا
حسبه لله ، فالسّكر أصحّ

في زمان ليس للحقّ به
أيّ صوت إن أسفّ الدهر يلحو

**
**

سكر الدّهر ، ولم يفطن إلى
سكره حرّ أبيّ النفس قحّ

فانتفى الإنصاف ، والعدل عفا
وأسفّ الحكم ، فاستجبل سفح

وأنا ما ذقت إلا كاسة
عند قعوار وأخرى إذ ألحوا

ضربوا الأمثال بي عربدة
فلسكري عندهم : متن وشرح

هيه يا رمز الأماني والمنى
إنهم حيات ، رقطاء تفحّ

لا يغرنك تقبيلهم
يدك اليوم ، وتقريظ ومدح

فغدا سوف ترى موقفهم
منك ، يا مولاي ، إن أبرم صلح

فثرى الأردنّ أن لم يرو من
مائه الفياض ، لن يرويه ميح

**
**

أيّها الشيخ ! الذي دستوره
إنّما الإفتاء : توجيه ونصح

بعضهم يسكر للسكر وفي الن
اس من يسكر ، يا شيخ ليصحو

كتب الله علينا شربها
ليس خطّا كتب الله فنمحو

قد قلوت القيل والقال وما
ليس لي فيه غنى أو منه ربح

ونذرت الصمت ، لما قيل لي :
من يقول الحقّ يؤذي ويدحّ

أنا إن أصمت ، فصمتي حسبه
أنه صوت الأرقاء الأبح

أيّها الباكي على أوطانه
لا يردّ الروح للميت نوح

بارك الظلم ، وصفق للأذى
فهما نصر من الله وفتح