في الموحي - التجاني يوسف بشير

أذّنَ الليلُ يا نبيَّ المشاعرْ
وغفتْ ضجّةٌ ونامت مَزاهرْ

دَفَق العطرُ في صدور الروابي
مستجيشاً وفاض ملءَ المحاسر

وسرتْ في الورود أنفاسُ ريّا
روحكَ العنبريِّ والوردُ ناضر

قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا
نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر

يرقب البدرُ مطلعَ الروحِ من هِنْـ
ـنا، وتستقدم النجومُ البشائر

طبعتْ ساعةُ التنزّل دنيا
كَ بوجدٍ كوجدِ هيمانَ ذاكر

كلُّها بُدِّلتْ محاريبُ نشوى
تحت فيضٍ من روعة الوحيِ ماطر

***

رُبَّ صُلْبٍ من صخرها ظلّ يندى
وعَصيٍّ من عُودها لم يُعاسر

نفض الصخرُ ما استحال به صَخْـ
ـراً صليباً من القُوى والعناصر

وتخطّى حدودَه كلُّ معنًى
حجريٍّ وساوق اليدَ نافر

ساعةً يخلد الرضا في ثوانيـ
ـها، ويحيا في كلِّ خفقةِ ناظر

جَوُّها المعبديُّ يعْمُره الصَّمْـ
ـتُ بهمسٍ من الوساوس فاتر

ويفور السكونُ فيه ويَدْوي
كدويِّ الظنونِ في قلب حائر

قُمْ ونَفّضْ من ظلمة الأرضِ ساقَيْـ
ـكَ، وطِرْ في الشذا، عَدَتْكَ المخاطر

خلِّ أهلاً وجافِ دنيا صحابٍ
وتنكَّبْ أخاً وجانِبْ مُعاشِر

***

وانقطعْ ساعةً أمدَّ وأَبْقى
عُمُراً بالجمال، والوحيُ عامر

لحظةٌ منه بالزمان وأهليـ
ـهِ وأعمارِه إلى غير آخر

ها هنا هيّأ الهوى لكَ مُلْكاً
قمريّاً على عروش الأزاهر

دولةً من مواكب النورِ حفّتْ
عالماً من عرائس الشعرِ زاهر

دولةً ما تزال من قُضُبِ الرَّيْـ
ـحانِ، تبني صوالجاً ومنابر

نسج البدرُ تاجَها من أمانيـ
ـهِ، وأعلى لواءها بالمفاخر

وعقدنا لها اللواءَ فلا الـمَلْـ
ـكُ بمَلْكٍ ولا الأميرُ بآمر

قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا
نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر

ينفخِ اللهُ في مشاعركَ اليَقْـ
ـظى وجوداً فخمَ التصاويرِ فاخر

ويفجّرْ لكَ الغيوبَ وينشرْ
بين عينيكَ عالماً من ذخائر

فتخيّرْ وصِفْ وصَوّرْ رؤى الوَحْـ
ـيِ، وصُغْ واصنعِ الوجودَ المغاير

***

واهدِ تلكَ التي بنفسكَ منها
أرجاً من مُجاجة الحبِّ عاطرْ

زَهَراً أنجبتْ حدائقُ جنّا
تٍ أفانينَه وروضة شاعر

ينبت الحُبّ من شذاً منه مسكو
بٍ على القلب دافي المشاعر

يَتطرّى به الفؤادُ ويَندى
كلُّ حسٍّ ويرتوي كلُّ خاطر

يصنع القلبُ للهوى من معاني الـ
ـعِطرِ فيه مِمّا تصوغ الأزاهر

ويُسوّي شخوصَه ويُجلِّيـ
ـها فنوناً مما يُصوّر ساحر

فَجَرتْ في دمي نواسمُه النو
رَ، وماجت أنفاسُه في الخواطر

فاهْدِها وحيَها، فكلُّ جميلٍ
يلتقي حسنُه بها في المصاير