تحت العرش - الصوارمي خالد سعد

ذرونى ذروا لى كلَّ أمسٍ قدِ اندثَرْ
وما الأمسُ انى لا أَعى كيفَ قَدغَبَرْ

وهل تَعلم الأَيامُ أَنى أَعيشُها
وكيفَ مضى الماضى على ظهرها عَبَرْ

فلا تطلبونى إننى تُهتُ في المَدى
أُفَتِّشُ نفسى في فضاءٍ قدِ انتَشَرْ

تناثرَ فيهِ الحُزنُ من كلِّ تائِهٍ
وأَينعَ فيهِ البؤسُ واْسطَالَ واْشمخَرْ

ومالى وما مالى أيا نفسُ فاْجزَعى
وآهٍ ..وما الآهاتُ في موكبِ العُصُرْ

طريدٌ أنا يا نفسُ من كل مَحفَلٍ
قريبُ أنا يا نفسُ من مقدِسِ الفِكَرْ

***

وقد عذَّبتنى في الدياجى خَواطرٌ
فمالى أَسومُ النفسَ في موطنِ الخَطَرْ

ومالي أَنامُ الليلَ والليلُ ماكِرٌ
فكم أَهلكَ الأرواحَ في هَدأةِ السَّحَرْ

وماليَ أَلهُوْ وادِعاً رأَدَ الضحى
وهذا الضحى كم بَزَّ نفساً وكم غَدَرْ

وما اليومُ ؟ إنى لستُ أَملِكُ أَمرَهُ
وفيه انطَوى مَوتٌ ذؤامٌ قدِ استَتَرْ

فيا نفسُ طِيرى حيثُ لا الحيثُ كائِنٌ
ويا نفسُ كونى حَيثُ لازَمَنٌ يَمُرْ

فإنْ نَسبوا عمرى لِما كانَ قَدْ مَضَى
فكيفَ يكونُ المَرءُ أمساً قد انتحرْ

وإنْ قِيلَ إنَّ العُمْرَ ما سأَعيشُهُ
فكيفَ يكونُ المرءُ منظومةَ القَدَرْ

وقد خَوَّفُونى من حُتوفٍ تأَجَّلَتْ
وما الحتفُ ما الآجالُ في مُعجمِ العِبَرْ

فإن ماتَتِ الأعضاءُ فالروح حيةٌ
تجوبُ فِجاجَ الكوْنِ تُمْعِنُ فِي سَفرْ

وما العمرُ إلا ومضةٌ في رُؤى امرئٍ
يَعيشُ يَسيراً ثم يَسْهُو فيندَثِرْ

فلن يُفلِتَ الموتُ شُجاعاً وعالِماً
ولن يُفلِتَ الموتُ جَباناً على حَذَرْ

***

حقيقٌ على الإنسانِ أنهُ جَاهِلٌ
جرئٌ على الآراءِ في كلِّ مؤتَمَرْ

وحتى معانى الجهلِ لم يَدرِ كنهها
جَهولٌ بجهلٍ يخلطُ الأَصلَ بالصوَرْ

فمهلاً بنى الإنسانِ في كل مَحفَلٍ
فَما أنتمُ للزهوِ أَهلٌ ولا الفَخَرْ

أَيفخرُ من لمْ يدرِ ما كُنهَ نفسهِ
ومن باتَ يخشى مشفِقاً صفعةَ الوَطرْ

فيا عقلُ لا تَقدحْ زِناداً تبلَّلَتْ
ويا قلبُ لا تبرحْ مكانَكَ وانتظِرْ

ففي طبقاتِ الغيبِ علمٌ وَهيبةٌ
وبين مجالي العرشِ قد سَبَّحَ الحَجَرْ

فهل مِن دِنانِ الغيبِ فاضتْ مَناهِلٌ
لتروي بني الإنسانِ في مَهْمَهِ الضرَرْ

أحَىٌّ أنا قبلَ المَمَاتِ فأَرتوى
أَمْ انيَ حَىٌّ بعدَ موتِى فأصطَبِرْ

وَهلْ من يَقينٍ أنَّنى في ذُرى السماْ
مَشَيتُ .وَهَلْ فى الأَرضِ إنى مَعَ البَشَرْ

***

ذَرُوا لى فُؤادى إننى تُهتُ في المَدَى
أُطارِدُ قَلباً مُدلجِاً.. في السماءِ فَرْ

هناكَ يُصلِّى بَلْ هُنَا .. بَلْ هُنَالِكَ
هُنا لا زمانٌ ..لا مكانٌ ..ولا أَثرْ

وَفى حُجُبِ الآفاقِ لىْ كُلُّ مَلْجَأٍ
أَتُوهُ بها طَوْراً ..وَطَوْراً أَرى القَمَرْ

فَكُلُّ عُلُومي أَنَّنى جِئتُ صارِخاً
وُلِدْتُّ فقالوا أَنْجَبَتْ أُختُنا ذَكَرْ

فيا عَقلُ لا تَقْدَحْ زِناداً تبلَّلَتْ
ويا قلبُ لا تبرحْ مكانَكَ واْنتَظِرْ