الربان الجسور - الصوارمي خالد سعد

أرأيتَ صاحي طائراً غَرِداً غدا
يَهفو يغني ضاحكاً عِندَ الغَدِيرْ

أرأَيتَهُ يَرتادُ في أَلحَانِهِ
كَوناً تَبَدَّى بينَ هاتيكَ الزُهورْ

أرأَيتَهُ يَمضى ويسبَحُ هانِئاً
يَلهو بأمواجٍ توالت في فُتُورْ

ويُعانقُ الازهارَ في أغصانِها
فيعانِقُ النسماتِ ضَواعُ العبيرْ

أَرأيتَه مُرتادَ آفاقٍ يَرى
كل الدُنا قد طأطأَت فَهْوَ الأَميرْ

أرأيتَ بسمتَه العريضةَ قد سَرَتْ
فتقصَّدَتْ أَشجانَ هاتيكَ الدهورْ

تغرِيدُهُ دعواتُ مُبتهلٍ دَنَا
للهِ مُتَّشِحاً مع الإقبالِ نُورْ

أَرَأَيتَ يا صاحِ اندِحارَ هُمومِهِ
لماتهاوتْ عند شِطئانِ السرورْ

أحسبتَ يا صاحِ الهمومَ تكرَّمَتْ
أَو راعها ذاك الخميسُ المستطير

لكنما الأحزانُ يفنيها المنى
بَل إنما تَفْنَى بتغريدِ الطيورْ

هوَ يا رفيقي من بُناةِ الكون لما
طارَ يَشدو فَهو رُبَّانٌ جَسُورْ

يشدو فيسمُو كونُنا المحزونُ عن
آثامِهِ يرنُو الي تلك العُصورْ

ولقد رآه شاحباً فَسَرى بِهِ
هَوناً إلى بحر القَداسَةِ والطهورْ

وبعبقَرِ الإخلاصِ دَثَّرَه تُقىً
وَهَدَاهُ بالأَسحارِ إخلاصَ الضميرْ

هو قائدٌ في كونِنِا السكرانِ منْ
خَمرٍ مُشعشَعَةٍ بأنفاسِ الشرورْ

هل غرَّدَ العصفورُ وارتادَ الفضا
إلا ليسمو يا بنى الدنيا الشعورْ

هل صَفَّقَتْ في الجوِّ أَجنحةٌ ضحىً
إلا لكى نرثَ السعادةَ والحبورْ؟

***

وقدِ اقتحمتُ على الأطِبَّا سائلاً
بُرء اً لقلبٍ قد تَعثَّر في فُتورْ

فَاجابَ بَعضُهمُ بأنى مارِدٌ
تبَّاً له مِنْ ناشزٍ طاغٍ شريرْ

وأَشارَ بعضٌ في دِماغِه قد حَوَى
داءً لمسِّ الجنِّ يا هَولَ المصيرْ

عُدوا له قَيداً يُغَيِّبُ مِعصَمَاً
ومِنَ العقاقيرِ وأمصالاً تَفُورْ

وتنازعوا أمراً يري الأمصالَ لى
هيَ راحةٌ من دائىَ الداءِ الخطيرْ

لكنَّ ذا العصفورَ قد أزرَى بهم
وأَشَارَ أن الخطبَ يا نزراً يسيرْ

زعموا بأَنَّ المرءَ في هذى الدنا
قد سَارَ رباناً وأَمعَنَ في المسيرْ

آمنتُ أنَّ الكونَ يخطو سَائراً
ما بين أسرابِ الأوابِدِ والطيورْ

وهناكَ من خلَفِ الطبيعةِ قد رَنَا
بين الهواجرِ والاصائلِ والبكورْ

وعلى الجداولِ بالمياهِ تأوَّدَتْ
يُصغى لموسِيقَى الحياةِ من الخريرْ

وعلى الجنادِلِ بالضبابِ تسربَلَتْ
أو بالنَدى المنسابِ من فوقِ الصخورْ

وعلى البطِاحِ الهاجعاتِ تَحصَّنتْ
بالشوكِ والحَصباءِ من لفح الهجيرْ

أو في شُعاعِ الشمسِ مُنساباً دَنا
فَتوَضَّأتْ منهُ المفاوِزُ والأَثِيرْ

أَو في نفوسِ الطاهرينَ قدِ ابتَنى
بيتاً به الاطفالُ تَلهُو في حبورْ

هيا اخلعوا الأحزانَ هيا فاسكُبُوا
ثَرَّ الخيالِ على البيادِرِ والبدُورْ

فالرَّبْعُ من وادي الحياةِ قد احْتَوى
مَعْنى الحياةِ سَرَى بألسنةِ الطيورْ