حديث الأمس - نبيلة الخطيب

حديثُ الأمس أطلِقَ ما تَثنّى
كسهمٍ لانتهال النبض سُنّا

أصابَ الخافقات من الحنايا
وقد ذابت مع الزفرات حُزنا

شهِدْنا الآهَ حاضرة القوافي
نشيجَ الجرح منظوماً مُغنى

أعاجَلكَ انشراخٌ في الحواني؟
وماذا كان يُجدي لو تأنى؟

إذا فرّ الصباحُ من الضواحي
فأنى يُسترَدّ سناهُ أنى؟

فلا والله لستَ بذي سوادٍ
ولكنّ الظلامَ عليكَ جَنّا

ملأتَ لهم جِرارَ العمر تترى
ولم تُتبعه بين الناس مَنّا

علوتَ بهم فلم يبلغكَ طَودٌ
خفضتَ لهم جناحَ الحبّ هَونا

وجُبتَ لهم بقاعَ الشمس حتى
نسجتَ من احتدام الموت أمنا

ومن عرَق الجبين من المآقي
بذلتَ لزهرهم حتى تحَنى

وكنت غرستهم في البال نخلاً
وكنت ذخرتهم للوهْن عونا

فإنك مُبتلىً وبهم بلاءٌ
وكلٌ قد دمى قلباً وجفنا

أليس المؤمنون أشدّ بلوى
وأحسنَ في اغتباش الأمر ظنّا؟

فقدتَ طيور عمرك حين فرّوا
وهم فقدوا وقد هجروك حضنا

فهم للكف خمستُها ولكنْ
ألست لهم على الأيام مَتنا؟

وإن كنتَ الجريح فأنتَ قاضٍ
ويأبى صاحب الإنصاف غبنا

أيجعلنا التآلفُ في رخاءٍ
وننكر بعضنا إمّا فُتِنّا؟

أظَنُكَ تهدأ الأشواقُ فينا
وهم في بؤرة الأرواح مِنّا؟

أليس على أولي الأبصار حقٌ
به يغدون للمكفوف عينا؟

فإنّ التائهين أشدّ ضَعفاً
أنلفيهم إذن للبؤس رَهنا؟

نجاهدُ أن نَصُدّ وقد تهاوتْ
نصالٌ أعمِلتْ في الفكر طعنا

ونشعلُ شمعةً فيهيجُ ليلٌ
وندعو الفجرَ والأحداقُ وسنى

يُسربلنا التغرّبُ والتنائي
لأعلى قمّةٍ فينا وأدنى

نهُبّ إلى الغريق نمدّ كفاً
ولا نُلقي” لغِمر” القش وزنا

فإن يغدُ امتداد الكفّ جسراً
لعلّ بآخر القشّات غصنا

تنادمك الجراحُ ويا لساقٍ
يَصبّ لها فيذكيها ويضنى

ألا ارحم ما تبَقى منك وارفق
بقلبٍ كلما أعرضتَ حَنّا

ولُمّ حُطامَ حلْم العمر وارفع
بوادٍ مُقفر الجنّات رُكنا

لعلّ الله يرسِلُ فيه وَدْقاً
فيأتلق اليبابُ ندىً وحُسنا

وما يدريك تدرك بعد حينٍ
بأنّ الله كان أرادَ شأنا؟