الحقيقة - إبراهيم محمد إبراهيم

غادَرْتُ يوماً دَوحَةَ الأحْلامِ،
أنشدُ دَوْحَةً أُخْرى
تُبادِلُني الحقيقةَ
فانْتَهيتُ إلى سرابْ.
سلَّمْتُ أمري ..
واعْتَزَلْتُ الرَّكْبَ،
علَّ النّاَقَةَ العَرْجاءَ
تُرْشِدُني إلى ما أشتهي ..
فهي التي تقوى
على وَهَجي وشَوْكي وارْتِحالي،
دونما لغة تُفَسِّرُ آهتي
وثباتَ رأْسي في الطَّريقْ.
خضَّبتها بالوَرْسِ
فانْتَصَبَتْ،
تَجِسُّ برأْسِها صَدْري
لِتَسْمَعَ ما أقولْ.
ياأيُّها السِرُّ الدَّفينُ ألا انْجلِ،
قالتْ
فأَضْمَرْتُ البُكاءْ.
حدَّانِ كم أخشاهُما:
جَلَدي
ودَمْعَةَ ناقَتي.
ودَّعْتُ أرضَ المِسْكِ
مُصفَرَّ الجبينِ
كنَبْتَةٍ في الظِّل
تَحْمِلُ جَذْوَةَ الشَّمْسِ.
وخَرَجْتُ من دنيا الخيالِ
بِفِكْرَتي زمناً
يُلاحِقُني الكلامُ،
فأنْتَقي منهُ الحزينَ
لِفَرْطِ مااسْتشرَى السَّوادُ
بضِحْكَةِ الأَمْسِ.
يا أيُّها التَّاجُ المُوَشَّى بالنُجومِ
إلامَ يعبدُكَ الجرادُ ؟
وأَنْتَ أوْهى مايكونُ الجَدْبُ ..
لستُ جرادةً ..
بل صفحةُ القدرِ الذي
يَهَبُ الحقيقةَ وجْهَها.
كُنْ ماتشاءُ،
فلنْ يجيبكَ في الظلامِ
سوى الجرادْ.
ما اعتَدْتُ صدقَ نُبوءَةِ الأحْلامِ،
لكنّ الحقيقةَ كذبةٌ أُخرَى
يُسَوِّغُها الشُّذوذُ بألفِ بابٍ
كلُّها تُفْضي إليهِ.
فهل لنا بابٌ،
سوى كشفِ الغِطاءِ عنِ السُّؤالِ
وقلبِ ميزانِ الأُمورِ بِكَفَّتيهِ!
أم هل لنا دربٌ،
سوى تلك التي تَرَكَ القطيعُ
فظلَّ عمَّا يدَّعيهِ.
أنا ليس لي وجهٌ سوى وجهي،
ولا لغةٌ،
سوى تلك التي أُرْضِعْتُ
قبل اللََّثْغَةِ الأولى،
ولا قلبٌ
يُقَلِّبُهُ المُقامِرُ في يديهِ.
أنا قِصَّةٌ تُحْكى،
إذا يَبِسَ الرَّمادُ
على شِفاهِ الجاهِلِيَّةِ في عُكاظْ.
أنا همسُ ساقيةٍ بأُذْنِ الرِّيحِ
تُنْبِئُها بما قد كان
من أمرِ الذين تراجعوا
عن موكبِ الشَّهداءِ في أحدٍ.
وما قدْ كانَ من أمرِ الرُّماةِ،
وما اسْتَجَدَّ من النِّفاقِ الصِّرْفِ
والكُفْرِ البواحِ.
عن جنَّةٍ،
قالوا سترجعُ
بالكثيرِ من الكلامِ
أو القليلِ من الكِفاحِ.
أنا ما عَجِبْتُ
لمن يموتَ علىالتخومِ
فداءَ خيمَتِهِ الصَّغيرَةِ،
بل عَجِبْتُ
لمن يُريدُ الأرْضَ
كامِلةَ التُّرابِ بلا جراحِ.
أنا ليلةٌ تَعِبَ السُّهادُ بها
ونامَ مُعَطَّراً بالشِّعْرِ،
فاسْتَيْقَضْتُ
من حُلُمِ الخواطرِ،
حامِلاً قبسَ الحقيقةِ
فوقَ أكتافِ الصَّباحِ.