الطريق إلى رأس التل - إبراهيم محمد إبراهيم

مدخل
- وَجَعُ الذّكرى
وتراتيلُ الليل ِ
- ُطيورُ الغاب ِ المفجوعةُ في الأحباب ِ.
- أباريقُ الفجْر ِ المسكوبةُ
في عيني ُأنثى النورس ِ،
قبلَ الهجرة ِ أوبعدَ وصولِ ِ السّربِ.
- عناقيدُ العنبِ الحامِضْ.
- أيدي القطّافينَ ،
وأيدي الزّرّاعِ ،
وأيدي المُنتظرينَ على بابِ الموسِمْ.
- أفئدةُ العُشّاقِ المخدوعينَ
بوعدِ الصّحراء ِ
- أعاصيرُ الفِكرِ على ورق ِ الدّفترْ.
-أشرِعةُ العودةِ للظّلِّ
- أهازيجُ المهزومينَ على الشّاطئِِ
ينتظِرونَ الأخبارَ المهزومةْ..
- أرغفهُ الصبرِ المقسومةُ
بالعدلِ المُطلق ِ
بينَ الطير ِ
وبينَ الناس ِ
وباقي خلقِ اللهِ
- أنامِلُ حورِيّاتِ البحر ِ ،
تُلامِسُ جِلْدَ الساحِلْ.
يصحو السّاحِلُ من هذَيان ِ الحُمّى
يستقبلُ بحّارتَهُ باللّهفة ِ والإعياءْ.
- نقشُ العَرَبِ الخُلّصِ في صدر ِ الموجة ِ
أو ظهر ِ كثيب ِ الرّمل ِ
- نحيبُ الموجة ِ والرّمل ِ
على أجفان ِالعرب ِالخُلّص ِ.
- أضرِحةُ الصّوفيّةِ
في الشّام ِومِصرَ..
- حُشودُ الزّوّار ِ،
- البكّاؤونَ،
- سماسِرةُ الدّفن ِ،
- النّدّاباتُ ،
- الدّجَلُ المُتفشّي في أسواق ِالموتْ..
مشهد التيه
أضَعْتُ الوُجهةَ
ضيّعتُ طريقي،
نحوَ الكوخ ِ المضروب ِعلى رأس ِ التلِّ..
فقدْتُ جناحَيَّ
ورِجلاي تذوبان ِبهذي الزّّّحمةْ.
كيفَ أعودُ إلى حالتِِيَ الأولى؟
من يتأبّطُني زُوّادَةَ دربٍ؟
كي أغفو باقي أيّام ِالعُمر ِ
وأصحو في رأس ِالتَلِّ
مع الصُّبح ِ .
غريبٌ
أتلَمّسُ أقنِعةَ الخَلق ِ
وأبحثُ عمّنْ يُشبِهُني..
وحدي في الزّحمة ِ..
من يُرشِدُني نحوي؟
قلبي يتناثرُ مِنّي في كُلّ مكان ٍ..
أجمعُهُ..
يتناثرُ ثانيةً.
يتماهى بالشّارِع ِ ،
يُنكِرُني..
أتلمّسُهُ في النّاسِ..
لقد صار غريباً مِثلي
يبحثُ عن رأس ِالتّلِّ ،
هُنالِكَ ،
حيثُ يعودُ السّربُ ،
ويغفو بعدَ عناءِ الرّحلةْ.
قلبي ،
لُغتي ودليلي في العتمةْ.
وحدي ، أتحسّسُ جُدرانَ العُمر ِ
أُقاسِمُها في الليل ِضياعي
وتُقاسِمُني الصّمتْ.
تتعهّدُني
بجفاء ِ الأحباب ِ ،
وقسوة ِ من شرِبوا من كأسي ،
وارتحلوا..
تقِف اللّّّحظةُ حيثُ وقفْتُ ،
(( وما في الجُبّة ِغيري)) ..
أحبابي رحلوا..
رِجلايَ تذوبان ِ
إلى حدِّ اليأس ِ
وما عادوا .
أهْلكْتُ الخيلَ ،
طوَيتُ الأرضَ ،
وعُدتُ إلى حيثُ فَنائي
بينَ الأمصار ِ
وما عادوا.
كيفَ أُحنِّي أطرافَ الأمَل ِ
المعقود ِ بعودتِهِمْ
بعد ضياع ِ الجِهةِ الأشهى..
ولِمَ الأعيادُ ؟
جِهتي قلبٌ ،
لُغةٌ ،
بُعدٌ ،
تتوحّد فيه ِالأبعادُ .
أرصِفةٌ تُؤوي الفُقراءَ
وتُرضِعُ أبناءَ الشّمس ِ
من الشّمس ِ
هُنالِكَ ،
حيثُ الوجهُ الآخَرُ للدنيا
أو حيثُ الأشياءُ ،
بِحالتِها الأولى..
مشهد الانكفاء
في هذا الجُزءِ المعزول ِمن العالم ِ ،
في هذا المقهى ،
من هذا الكُرسِيِّ ،
أُحدّقُ في كُلّ الأشياءِ ،
أُحمِّلُها ما لا تحملُ ،
أسبحُ في بحر ِدقائِقِها زَمَناً ..
وأعودُ بأخبار ِالخَلق ِ المُهملْ .
من هذا الكُرسِيِّ ،
عرفتُ الأصعَبَ والأسهلَ
والأقبحَ والأجملْ .
وقرأتُ تراتيلَ النّجمةِ في الليل ِ ،
وما تركَ السّهرُ المجنونُ
على الطّرْفِ الأكحلْ .
زاوِيةٌ في هذاالكونِ الشاسِعِ تكفي ..
زاوِيةٌ تتحمّلُ طينَكَ ،
أوهامَكَ .
زاوِيةٌ ،
تُغريكَ بِعِطرِ اللّحظةِ ،
تُهديكَ الحبّةَ
والتُربةَ
والمِنْجَلْ .
زاوِيةٌ ،
منها تستدعي الكونَ ،
تُحدّثُهُ
تستفتيهِ
تُقرّعُهُ تستجديهِ
تُجرّدُهُ
تُعطيهِ
تُؤمّرُهُ ..
تتواصلُ فيهِ
بما فاتكَ ،
تَفصِلُهُ ..
زاوِيةٌ ،
تورِقُ في الجدْبِ
وتُثمِرُ قبلَ المِوسمْ .
زاوِيةٌ ،
تُخلي قلبَكَ من وَسَخ ِ المِشْوار ِ
وتسكُبُ فيكَ اللّونَ المائِيَّ
لتُصبحَ لوناً أبهى ،
روضاً أزهى ،
نهراً أطولْ .
مشهد القصاص
ماذا لو تقتَصُّ الأرضُ
من الُكلِّ
بما كسبتْ أيدي البعض ِ؟
تُراها ، هل تَخْضَرُّ لسائمةٍ ؟
أو تُنبِتُ فُلاًّ لحبيبين ِ ،
تراءى لهُما أنّ العُمرَ طويلٌ
وبياضٌ كالفُلِّ .
تُراها ، هل تنضحُ, ماءً ،
لجبينٍ يتغشّاهُ لهيبُ الصّحراءْ ؟
ماذا لو تقتصُّ الأرضُ من الأبناء ِ
بما كسَبَتْ أيدي الآباءْ ؟
مشهد المختار
زيتونُك ِ يا أرضُ شحيحٌ هذا العامُ
وأطفالُك ِ جوعى ..
يقتاتونَ على الخُبزِ اليابِسٍ والماءْ .
والمُختارُ ،
يعُدُّ نقودَ العامِ الفائِتْ .
يُخطِئُ في العَدِّ ،
ويحسِبُ ثانِيةً ..
يُخطِئُ ،
يحسِبُ ،
يُخطِئُ ،
يحسِبُ ..
ثُمّ تضيعُ الحِسبةْ .
لم يبقَ من العُمرِ كما فاتَ ،
وتمتدُّ اللّعبةْ ..
الأطفالُ تجوعُ وتعرى
والقتلى يزدادونَ ،كما تزداد نُقودُ المُختارْ .
وهو يعُدُّ القتلى
والجرحى
والأموالَ
ويُخطِئُ في العَدِّ ..
يُعيدُ الكَرّةَ ،
تَكْثُرُ في عينيهِ الأصفارْ .
من أينَ أتى هذا الصِّفرُ ؟
وذاكَ الواحَدُ ، والخمسةُ ..؟
كيفَ تَكَوَّنَ هذا الرّقمُ الجَبَّارْ ؟
زيتٌ
زيتونٌ
قتلى
جرحى ..
ونُقودٌ بالعُملاتِ الصّعبة ِ ،
للوضْع ِ الصّعب ِ ،
وأرصِفةٌ تبكي الشُّهداءَ
وتهتِفُ باسم ِ المُختارْ .
مشهد العودة
تقِفُ الساعةُ ،
تشهقُ ،
رجعاً لصدى الصّرخة ِ
تحتَ لهيبِ الوقتِ .
يفوحُ دُخانُ اللّيل ِ ،
وعطرُ الجُرحِ المنقوشِ حديثاً
فوقَ جبينٍ نرفعُهُ
كي لا نوصمَ بالعارْ .
- وطنٌ تولدُ فيهِ ،
- وطنٌ يولدُ فيكَ ،
- وثالِثُ، تسمعُ عنهُ ..
فأيُّ الأوطان ِ المُرّة ِ
- في الوقتِ الضّائعِ
تختارْ ؟
وجعُ الذّكرى
وتراتيلُ الليل ِ
تُحرّضُ فيَّ الشّعرَ فأكتُبُهُ
بالخطِّ المهزوزِ على كُلّ جدارْ .
وحدي حينَ ينامُ الليلُ ،
أفُكُّ رِباطَ الخيل ِ
وأُطلِقُها ..
ورِباطَ الفِكرِ ،
ليسرَحَ في دُنيا الأحرارْ .
أستدعي كُلَّ طيور ِ الغاب ِ
المفجوعةِ في الأحبابِ ،
أُسامِرُها ،
حتى ينبُتَ قبلَ الفجر ِ جناحي ..
تقِف الساعةُ ،
عند الحدّ الفاصِلِ
بينَ الموتينِ :
العودةُ ،
واللاعودةُ ،
فاسْتَرْشَدْتُ
بِحَدِّ السّيفِ ،
وأسرجْتُ من الليل ِ صباحي ..