المحراب - إبراهيم محمد إبراهيم

- أمّنتُكَ
فاخلعْ نعليكَ
وقِفْ.
إن المِحرابَ عِراقُ
وارفعْ رأسكَ
حتى أقرأَ عينيكَ . .
أَمِنْ هذا الحُزنِ وُلِدتَ ؟
أبالحُزنِ ستلقى اللهَ ؟
وإلاّ ، لستَ من النّخلةِ في شيءٍ . .
قَدَرُ النُسّاكِ بهذا المِحرابِ الحُزنُ،
فهل أعددتَ لهذا اليومِ العُدّةْ !؟
- أعددْتُ له قلبي منذُ وُلِدتُ ..
- إذن ، فاخلعْ نعليكَ
وقِفْ
إن المحرابَ عِراقُ
بغدادُ أشيحي بجبينِكِ
ما الحشدُ الدّاجِنُ حولكِ
كُفءٌ لِعَروسِ النّهرِ
ولا دمُهُ مِنكِ . .
كَذِبٌ أن التاريخَ يخونُ
إذا زُلزِلَتِ الأرضُ
أو اشتعلَ الليلُ جحيماً ..
وتقاسمتِ الأهواءُ الأدوارَ
لذبحِ النخلْ .
هُزّي جِذْعَ التاريخِ
يعُد طفلاً بينَ يديكِ
وهُزيهِ، يشِبُّ على الطّوقْ ..
بغدادُ أشيحي،
لم يبقَ من المِلحِ
سِوى دمِكِ المسكوبِ على ظمأي
أقِفُ الليلَ أُنادي :
بغدادُ ..
بغدادُ ..
وأحترِقُ .
تمتدُّ ذراعٌ
– من نارٍ ودُخانٍ -
تَنْقُـشُ في ثديِ الغَيْمةِ :
" بغــــــدادُ "
فيكْتَظُّ بهِ الماءُ وينهرِقُ .
" برداً وسلاماً " يا بغدادُ ..
أشيحي بجبينِكِ نحوي
إنّي أشـتَقُّ بِعينيكِ الذّابلتينِ
إلى اللهِ سـبيلا .
أعدَدْتُ لهذا اليومِ
كما أعدَدْتِ منَ الحُزنِ
وأسرَفْتُ قليلا .
عَلّي أبلُغُ بعضَ العُذْرِ لديكِ
بأنّي مِثلُكِ ،
ما كُنتُ إذْ انْفَلَتَ الحَبـلُ
بقَعْرِ الذُّلِّ
ذليلا .
بغدادُ أتيتُكِ ،
أحمِـلُ روحاً
تَتَملَْمَلُ بيـنَ أصابِعِ كَفّيَّ
وقلباً يتَفـطَّرُ في هذا القحـطِ
فُراتاً ونخيلا .
وأشَحتُ بِوجهِيَ شـطرَ الرّومِ
وجَدتُ " بَنِي الأسْمَرِ "
يخْتصِمونَ لدى القيصرِ
بالقُرآنِ
على ثمنِ الحبكةِ والكِتمانِ
وأيُّ العارَيْنِ جديرٌ
بنصيبِ الخِنزيرِ الأوفى
من نِفطِ البصرةِ !
والبصرةُ في شُغُلٍ عمّا يختصِمونَ
بما تَرَكوا ..
البصرةُ رأسُ الحربةِ
في الحربِ
وخاتِمةُ الخوفِ الأزلِيِّ
بهذا النّفقِ المُظلِمْ .
البصـرَةُ أشلاءٌ تَتَكلّمْ .
وعُيونٌ ترمُقُ خلفَ سِتارِ النارِ
قطيعاً أبكَمْ .
يا ربَّ الكونِ الأعظَمِ
يا ربَّ الكونِ الأعظَمِ
يا ربَّ الكونِ الأعظَمْ
مِحرابَكَ مِحرابَكَ
مِحرابُكَ يصدحُ باسمِكَ
دمْعاً ودِماءً
وجِراحاً تَتَبَسَّمْ .
مِحرابَك مِحرابَكَ
مِحرابُكَ موصولٌ بيديكَ الحانيِتينِ
بهذا البُركانِ الهادِرِ
يا من تسمَعُ
يا من تُبصِرُ
يا من تعـلَمْ.
مِحرابُكَ أشرِعةٌ
تَمخُرُ بالحَقِّ - بعينيكَ - عُبابَ الوَقتِ إليكَ
فخُذْ بيديهِ
يكُنْ سيفَكَ في الأرضِ
وقبرَ عدُوِّكَ
ربّاهُ،
عراقَكَ
إنّ المِحرابَ عِراقُ .