أساطير - أديب كمال الدين

1ـ الأفاعي
في قلبي خمسُ أفاعٍ: واحدة للأشجار
إذ تزهرُ فوقَ الجبلِ العملاق
أفعى للسنوات
إذ تُرمى خلفي في الوحلِ
أفعى للعاشقِ إذ يبكي
بئرَ الله وبئر الأيامْ
أفعى لا اسم لها
لكنْ تخضرُّ إذا اختصرَ الفجرُ الصحراءْ
وأقامَ الماءْ.
أُخرى للموتْ.
انظرْ فهنا أفعى للنزهةِ يا قلبي!
2ـ الحصار
أتقدمُ نحوكْ يا قلبي
بأساطيلي وملائكتي وجنودي..
أتقدمُ أحملُ سرَّ الماء
وعذابَ الشمسْ
إذ تُجلَدُ ظهراً
وزفيف الأشجارْ
أرميكَ وأحرقكَ الآنْ
وأسوّرُ أطلالك،
يا قلبي، وضحاياكْ
فرحاً أحملُ رأسي في طبقِ الوحشةِ..
برهاناً عن حبّي..
في بابكَ أكتبُ: يا سرَّ الأسرار..
وقيام الساعةِ..
ضحْكاتِ الأمطارْ
يا فاتحتي أنتَ، رموزي
جرحي وأسايْ
في عرشك أكتبُ: حاصرني..
النمرُ الكاسرُ والليلُ الناريّ وحطّمني الزلزال
حاصرني الفرحُ البريُّ وأنطقني فرخُ البط
وبياضُ الثلجِ، رحيقُ السيقان
في تاجكَ أكتبُ: نحوكَ
يا عشّ النملِ، دبيب الموت
في كأسكَ: نحوكَ نحوكَ..
الكلُّ هباء
في كأسكَ: نحوكَ نحوكَ..
لا شيء سواكْ!
3ـ الجبلي والهندي
يا قلبي طفل أنتْ
أقلامكَ ضاعتْ
وحقيبتك الخضراء
سقطتْ في الطينْ
جَبَليّ أنتْ
تستوحشُ حتّى من نبضك
هنديّ أحمرُ لا تعرف غير الحبّ وماء الأنهار
وإذنْ: تتحمل أن تُطعَن
في أقطارِ الهجر
من دون أنين والجبليُّ المتوحشْ
يتوعّدُ والهنديُّ الأحمرُ يقفزُ من بين الأحراشْ؟
4ـ الرواية
(آ)
وأخذتُكَ حيثُ الصحراءُ البرّية: جاء البدو
خلعوا قلبينا..
ضربوا بالسوطِ الجرحَ الفاغرَ في جذعِ القلبْ
وطواهم ليل أدهم..
جاءَ الذئبُ الأعجفُ..
والنمر الكاسرْ
صنعا من قلبينا مائدةً عامرةً بدماءِ الفجرْ
حتّى هبط الليلُ الاسودُ ملآنْ.
(ب)
وأخذتُكَ حيثُ جبالُ الله
هجمَ الزمنُ المرُّ
تهنا، خرجتْ أزهارُ جبالِ الله
أكلتْ في الوادي قلبينا
وبكينا في الغربةْ
قلبي يا قلبي. كان الزهرُ الوحشيّ
يمحو شفتينا بالوحشةْ
لكنَّ الليلْ
هبطَ الساعةْ
فامتشقَ العمرُ بقايا رئتيه وقامْ.
(ج)
وخرجنا حيثُ المدن
تستلقي قرب الأنهار
وبحثنا عن أبوينا..
قالوا: ((رحلا للقبر))
إفرحْ يا قلبي!..
وبحثنا عن مأوى. قالوا: ((لا مأوى))
إضحكْ يا قلبي!
وجلسنا نشربُ ماءً ملآناً بالطين
فأتانا يحمل خنجرَهُ المسمومَ الإنسانُ الذئبيْ
والإنسانُ الأفعى والإنسانُ الفهد
والإنسانُ الإنسانُ
وبكينا (لم نفعلْ ما يؤذي أحداً ـ قال القلبْ ـ
فلماذا قتلونا قربَ النهرِ؟) أجبتُ القلبَ الخائبْ:
كم من مَرّةْ
أخبرتكَ ألاّ تسأل؟ انتظرِ الليلَ الوحشيّ فليسَ هنالك مَن
هو أرحم منهْ
وافرحْ يا قلبي!
(د)
ورحلنا في الدربِ. السيفُ الذهبيُّ علينا..
لم نفعلْ شيئاً
كنّا نتحدثُ عن خبزٍ طيّبْ
في درب معزول
أسقِطَ فيَ يدِ قلبي
قطعوا رأسي، حملوه على رمحٍ أسودْ
فبكيتُ عمودَ الروحِ المشروخِ، انكسرتْ كلماتي، قلت
في صوتٍ مبحوحٍ: ((إنّا أيتام)). لم يسمعْ أحد كلماتي
وطواهم
زمن هيمانْ.
(ه)
ورحلنا
هي ذي الغابة:
أجساد نساءٍ بضّاتٍ، أثداء تدلّى
أثداء مثل الكمّثرى فرحات
وضحكنَ لنا
فهبطنا في حممِ القُبلةْ
لكنَّ الأفعى..
خرجتْ من أثداء ِالنسوة
شَنقتْني..
شربتْ نبضَ القلبِ الطفلْ
قالَ الطفلُ:
(لِمَ؟ لمْ نفعلْ شيئاً. كنّا نحلم
لا شيء سوى الحلمِ؟!)
وخرجنا نصف مجانينْ
اضحكْ، من أعماقِكَ، قلبي
قال َالطفلُ المقتولْ:
(..شيئاً من رائحةِ الخبزِ
..شيئاً من رائحةِ الطين.)
فأجبتُ ورأسي فوقَ الرمحْ:
(( خذْ..
ذكرى طعناتِ النمرِ الكاسرْ،
طعناتِ الوحشِ، الإنسان)).
وخرجنا نصف عرايا نبكي في عيد الأرض.
(و)
وخرجنا
ورآنا الله.