الحفلة - أديب كمال الدين

إلى: صلاح كمال الدين
سقطَ الحرف
وضاعَ العمرُ الذي يمشي على عكّازةٍ واحدة
سقطَ وضاع
ضاعَ وتزحلق
تزحلقَ وامّحى
امّحى وتكهرب
تكهربَ وذاب
ذابَ وغاب
غابَ فانكسرت الأبواب
ودخلتُ على فرس الخيبة أحملُ سيفي
أمتشقُ عذابي وكلماتي، حقّي ونوري
وصرخت..
لكنّ الحرف انكسر الليلة
فأقمتُ له مأتماً
ولم أدع اليه أحداً سوى نفسي
وحين حضرتْ نفسي فتشتها كثيراً
وتأكدتُ أنها لا تحمل شيئاً ممنوعاً
ثم سلّطتُ عليها ضوء دمي
فخرجَ منها شيء فيه جلال القاف
وصور الطفولة الحافية
ونهر الفرات الأدرد
والخيبات التي لا تنتهي عند حد.
حينها صرخت: آه.. سقط الحرف
أيها المجانين
انتبهوا فالحفلة عارمة
(وأنتم لا تخلون من الأكاذيب)
الحفلة ستبدأ بالأكاذيب
(فاحذروا الدخول من باب الراقصات)
ثم تبدأ الدموع بالهطول
وسأشرح لكم ألف مشهد بكائيّ لي
ولآبائي وأجدادي وأبنائي
فاحذروا
فمن سيشاركني سيُمَحق في هذه الحفلة المجنونة
احذروا
احذروا
سقط الحرف
ولذا سأقرأ عليكم روحي في سندان القصيدة
والقصيدة في سندان الموت
والموت في سندان الفجر
والفجر في سندان الاحلامِ المخنوقةِ بالماء،
الماءِ، الماءِ، الماء
وأقرأ عليكم عريي الظاهر
لنهبط إلى عريي الباطن
وأحلم أن تموتوا كي تتخلّصوا من ضحالتكم
أيها الأجلاف الحفاة
أيها الشعراء الذين ضيّعوا أنفسهم فلم يضيعوا
انتبهوا
صوتُ الموسيقى مدوّياً مدوّياً يجيء
ليغّطي صوت سقوط الحرف
لكن..
لا..
فسقوطُ الحرف بهيّ أيها العراة
انتبهوا
انتبهوا
الموتُ على الباب
ونحن ضيّعنا شموسنا بحثاً عن الخبز
فلم نجد الملح
وبحثنا عن الملح
فلم نجد الذاكرة
وبحثنا عن الذاكرة
فلم نجد اللباس
وبحثنا عن اللباس
فلم نجد القميص
وبحثنا عن القميص
فلم نجد العمامة.
سقط الحرف
احذروا
احذروا
وجدتُ العمامةَ ملطّخةً بالدمِ، معطّرةً بالحلم
وفي وسطها شمس المرايا تسطعُ، تسطع
فهللتم
قلتُ لكم هلّلوا
هلّلوا أيها الحفاة
الحرفُ يسقطُ يسقط
ونحن نضيعُ وسط عرينا الأسود
الذي ملأ علينا كلّ شيء.