أرسمُ بَغْداد - باسم فرات

ما شئتُ شئت
أسكب الفجرَ في تلمّس ليلٍ غارقٍ بعماه
أكتب تاريخَ جنوبيين فوق عباءة أمي
وعَبَثاً أمسحُ أكفانَ الأيام المنسدلة من شعرها
مقبرة السنوات تتمدّد فوق إسفلت ذاكرة مليئة بندوب الحروب
حدادٌ يُغلّفُ حيواتنا
لا أتنفّس سوى الخراب
أحاول – دون جدوى – أن أفتحَ كوّة فيه
لا أجدني إلاّ انكساراً يشعُّ
أطلّ على الجميع وأسرجُ الآفاقَ تحتي
خلفَ الكلام هوامشُ كثيرةُ التحديق
ولافتات تسألُ عن جواد سليم
بينما الوقتُ يُطرّز منفى لعباءاتِ النخيل
أفكّ أزرارهُ أقرأ : الطفولة أسئلةٌ لا تنتهي – تتشعّب –
أو أسئلةٌ تنمو فوق طحلب الأيام
يتأسس المساءُ كلّما تنحدرُ الشمس من رحمِ ياقوتةٍ
الأنتظار حكمةٌ تصلُ اليقين بي
أمام اندهاش الغيمة العذراء
يتلوّى العمرُ على الورقة
أو
يتبخترُ – يالرعونته – تحت نزيف الطائرات
جسدي أدمنته الشظايا فلاذَ بقهوةِ المنفى
أنا بلا متعٍ بلا أمجاد
خذلتني أحلامي
منعزلاً في أقصى الضياع
تُرثيني فاجعتي
ويقودني حطامي
أتتبّعُ أثار طفولةٍ وأُرتّقُ أمانٍ دَهَسَتها المجنزرات
أرى مظاهرات الخوف تندلق من جيوبي
ولأنّ البحر منزوٍ هو أيضاً
راحَ يُوَزّعُ غربته على أمثالي فقط
لا أحد يغرّد في حنجرتي
سرقتُ ذاكرة النسيان
رغمَ اني حاولت ألفَ مرة أن أخبئ الفرات
لكنني عانقته
فخرّ أزيزالمدافع من قميصي
رسمتُ سماءً صافيةً لأنفذَ منها
محتها الصواريخ
...
رسمتُ جدولاً وقلتُ : هذا نهر الحسينية
تلصّصت عليه المطارات
رسمتُ مئذنةً ونخلةً
ووحيداً أوقفوني إلاّ من مرآةٍ أحملها
تصفعني الأيام كلّما صرختُ :
أبي يا أبي أو كلما توغّلتَ في موتك
أهلت التراب على أحلامي.
...
لا أخدش حياءَ البنفسج
رغمَ تورّط الحفيف بمصاهرة الندى
أضع نظارات الوقت فوق فسحة الأمنيات
فيرتشفني الصمت من بين ثنايا الوداع
خشيةَ أن أوقظ الياسمين أمرّر يدي فوق جسده بتؤدة
أسمالي تهزأ بالطائرات وما دون عتبة الدار رجم بالسراب
النافذة أيضاً خريطة تقتصّ من الانتظار أجنحته
وتمحو ما يسطّره الخيال في البال
أومَأتُ للأشجارِ: أن أحمي ظلي من نزق الخطوات
فتراشقني العراء
ليعبر الجنوب ترفع أثوابها الفصول
الأسى ذاته يفتح أزرار انكساراتنا مبتهجاً
كيف لي أن أسرق الفرح من ركام ما تبقى
هل أطلق الرصاص على شاهدتي؟
باهتٌ دفءُ يديكِ
باهتةٌ انت ِ حين تخلعين عن معصميك الأغاني
أطلق الرصاصَ على شاهدتي
تتثاءبُ في أحضانِ السمك النجوم وتلوّح لي
أرمّم قلبي بيدٍ وبالأخرى أتدارك الوردة من الهذيان
أتدارك الشرفات من السقوط في مستنقع حافلٍ بالسماء
البحرُ يتشبّث بي كلًما يتلكأ أمام براءتي
تتسلّق الشبهات حافة الوقت
أكداس من الحروف تحفّ بشواطئ الكلمة
أسمعتك نشيدي فما أسمعتني غير احتراقي
قدت المطر الى بابك فانزلقت أنامله فوق جبيني
أرخيت تسهيدي للحدائق ، لأني أمام أتون الفراشات
ودون خرابي الماثل للوردة والعصافير
على أوراقي تستيقظ أحلام
وانا أردم حفرة في النور ظلالي تتعرى
لأن صهيل الخطيئة ما عاد يهدي النساء الى جحيمي
واريت الرياح فوق أجداث الآلهة
أكسّر عويل المساءات على نوافذ لا تشير لسواي
ولا تستكين لعري نائحة لهدير الانكسارات
...
هل لي لأرتّب موعداً أستضيف الأصدقاء
بلا بهرجة الندامى أو زخرف الملائكة
وبلا ندى أحمر يُبلّل رائحة المنفى ؟
هل حقاً : ثلاثون بوصلة أخطأتني ؟
سوى ضابط الجوازات
تلكّأ في الخروج من ذاكرتي
لأقوى على الانشطار داخل ضلالات اللغة
لاذ البحر بسريري ولاذت الصحراء
وفي كل حلمٍ تغرق الشبهات
وتظمأ الحدود من ضيق اتساعها
يدي مدماة بثلج يتلعثم كلما قشّر الضباب رئتيّ
عند تخوم النسيان يستيقظ البرديّ
لينوء بأغنية المشاحيف
هل أستدعي أعوامي الثلاثين لأقي قامة النرجس فحولتي؟
مزيداً من الاندهاش أمام فخاخ النص
مزيداً من الاندهاش أمام مراثي السكارى عندما يطلّ الغسق
إستدرجيني لأراقب غربة النخيل
وأحتسي ثمالة كأسٍ
تتزاحمُ فيهِ مرايانا.