خريف المآذن .. - باسم فرات

ربيع السواد .. دمنا ...!!
***
تراتيلُ كهنةٍ وقدّيسين
صلوات شهداء
وتسابيح عشاق الرب
ما زالت الملائكة يطوفون بأزقتكِ
يشعلون البخور
ولدرء براءتكِ من هشيم صرخات خمبابا
يُخضبون غبارك بالحناء
وينشدون :
كربائيلو .. سيدةٌ لا تشيخ أبداً
واختلاط حيرة الماء والاعداء معاً
إسمٌ عتيدٌ يتوضأ تاريخاً وبطولاتٍ
حزنٌ خالٍ من الضغائن
رايات بكاء يضيق بها الأفق
يا أعتق المدن المقدسة
جئناكِ بالدرّ والحنين
لنرتشف من مائك الطهور
سلسبيل أغاني الذين لاذوا
بعفتكِ من نجاسة الحروب
المتكئين على أرائك المجد
وشهوة الخلود
أبناء سبيلكِ
لهم العزة كلما توغلوا في الرفضِِ
أطعموا الحلاجَ صبرهموا
وأفاضوا على الملأ حُلماً
قايضوا السخاء بالعزيمةِ
شدّوا القلوبَ على الدروع
ورقصوا للموتِ جذلين
فتناهت إليهم الرؤيا
أكلوا جوعهم وأسمنوا كتف الموت
بطراوتهم بلّلوا الندى
وفلقوا الصخرَ بالرقّةِ
أكرموا الجودَ
أبوابهم مشرعة
ونوافذهم أشاخها الانتظار
قستْ عليها رياح الشمال
أي سلسبيل قباب الله ومآذنه
أوكلما ابتعدت عنك ازددت قرباً
أحمل بوصلتي
فلا تشتهي سوى ان ترتّل اسمكِ
أفتح كتابي فتشير كلماته إلى زخرفك السماويّ
قناديلي تغمس ضياءها في قبابك المُذهّبة
أنت فردوس الدموع
وبهجة النشيج
أحلامي تستوحي هديلكِ
فتفرك عن سريري النعاس
النعاس ذاته غادرني الى أنهارك الواسعة
أبلّ صمتي بخريف المآذن
فينهمر الكلام
طفولتي أدوّنها في ساحة الحرمين
لكنني أنسى صبايَ
يترع العباءات في باب القبلة
وسنواتي في تل الزينبية
تلهو بالمسابح والعقيق
في شارع العباس يتزاحم الجمال مع الأسئلة
أي حاضنة الرياحين
أنا سادن عشقكِ العطش
صهوتي ذهبٌ موشى بالصباحات
ترانيمي بللّها الآذان
فاستحمت بجداولك وسواقيكِ
وبهوائك تعطرت
من مشاعلك أوقدت لغتي
بينما السود راياتكِ
تُحلّق حول العرش
شهداؤكِ أيضاً
أخرج من باب السلالمة
ألقي السلام كابنٍ بارٍ
أتوغّلُ في المطلق
عن يميني سدرة المنتهى
عن شمالي كفّا العباس يلوّحان لي
بعد أن اسمرّا من الوجدِ والعطشِِ
أمامي
قبابٌ توسدها التبرُ
منائر تغفو على راحة السماء
تداعبُ أجفانها النجوم والأيام
أبوابٌ معشّقةٌ بالابريز والفضة
وأكف الحناء المدماة بنشيج الأمهات
أبوابٌ تقودني الى البهاء
أخلع جسدي قبل ان أصل
أسوارٌ افترشت الحجرَ الكربلائيّ
وتاريخٌ ينزّ أسى ودماً
عمائم كست السهول
حدادها أشدّ حلكةً
من شيخوخة الدهر
وأخرى تصفو مع الحزن والبَرَدِ
عباءاتٌ تكنس الغزاة
فيطعنها ضابط الأمن
شوارع تتوالد في الأزقة
فتنمو التكايا
بساتين اتكأت على خاصرة المدينة
وحقولٌ راحت تحلم مداعبة أصابعها
لحىً خذلتها طيبتها
أسواقٌ تتناسلُ
.......................
.......................
.......................
وتنتبه في آخرة الرايات السود..
ثمّة مفرزة تفتيش.