أرملةٌ في جـنوب القـلب* - بسام صالح مهدي

مازلتِ تَعتَقِدينَ أنَّكِ سنبلَةْ
أو أنَّكِ امرأةٌ بطعمِ قرنفلَةْ
أو أنَّكِ النهدُ الوفيّ لِرَبِّهِ
مهما تباعدَ أو غَفا أو أغفَلَهْ
ما زلتِ تَعتَقِدين أنَّكِ بذرةٌ
كانت بأسئلة السماءِ مُبَلَّلَةْ
تَهَبينَ للفلاّحِ سُمْرَةَ خَدِّهِ
وتعلِّمينَ الماءَ نُطْقَ البسملَةْ
تَتَجمَّلينَ لوجهِ حزنٍ عائدٍ من حَربهِ وتلوِّنينَ تبدّلَهْ
وتُهَيّئينَ سريرَ خصرٍ
مُطْفَأٍ بالفقدِ بالرجل الذي ما أشعَلَهْ
والزوجُ يُقبلُ من أعالي الحربِ مُنكَسِراً
ليدخلَ في سرير الأسئلَةْ
ومضى .. وكان الموتُ يَطوي ظِلَّهُ
ويدٌ تَرشُّ عليه حَفْنَةَ أمثلَةْ
لم يترك الزوجُ الفقيد فُحولةً
ذكرى.. وقد تركَ الثمارَ مُدلَّلَةْ
ما زلـتِ حتّى الآن تحت عَباءَةِ ا لرحمن
تَنتَظِرينَ ظلاّ ً أرسلَهْ
ما زلتِ تَدَّخِرينَ بعض صفاتهِ
تَتَحسَّسينَ دنوَّهُ وتوغُّلَهْ
مَن في زوايا الروحِ يزرعُ صوتهُ
ليعلِّمَ الأحزان أنْ لا تسألَهْ؟
مَن أودعَ المعنى بكاءَ حَمامةٍ ماتت
وأوصتْ بالبكاء لِبُلْبُلَةْ؟
فلقد ذَوى عشرونَ نَذراً
في شفاهِ الماءِ و احترقتْ صلاةُ ا لسنبلَةْ
ظهرَ الهلالُ على مَساءِ الشَّعرِ والحنّاءُ تجلسُ فوقَ رأسِ الأرمَلَةْ
الله يا امرأةً .. حَليبُ عيونها صبحٌ تلوّنَ من ليالٍ مُقبِلةْ
الله يا امرأةً.. أخافُ بذكرها أنْ أشتهي موتي وأنْ أتسوَّلَهْ
هذا جَنوبكِ فيِ جنوبِ ا لقـلبِ مَنـْزِلُهُ
وكم وطناً يخبئُ مَنزِلَهْ
هو طفلُ هذا الماءِ
وابن النخلةِ الأولى، سليلُ قبائلٍ مُتَنَقِّلَةْ
كم قَمَّطَتهُ الريحُ كم غنّى لهُ شَجرٌ
وغيمٌ في المرايا غَسَّلَهْ
كم أرضَعَتهُ الشمس كم سَهرت له النجمات كم نزلَ الهلالُ وقبَّلَهْ
هذا جنوبكِ .. لم يَجد أسماءهُ إذ أنتِ من أسمائهِ المتحوِّلَةْ
فبأيِّ طَعمٍ تَمضَغينَ الحرب
لُقْمَتها بقايا الميتين وقُنبلَة