مَشيَخَةُ الطلاسِمِ - سالم أبوجمهور القبيسي

نَفَثَ الظلامُ ضَبابهُ
كالرَّهِبِ الزنجي بَثَّ بَخورَهُ
فَتماوَجتْ قِصَصُ الضبابةِ و الظلام
قِصَصاً على قِصَصٍ
كأنَّ الليلَ بينهما غريقْ
و أنا أقولُ مُتيماً :
أينَ الصحاري ؟
قالَ مُضطَجِعٌ على أحزانهِ
: أينَ الهَبوبُ ؟
و قالَ مجذوبٌ
: و أينَ حَبيبتي الجوزاءُ ؟
قالت صَخرةٌ بِجِوَارِنا
: أينَ الهلال ؟
فَتمازَحَت أقوالُنا و تَمازَحَتْ
و تَمازَحتْ
و تنطَّطَت أصواتُنا
مِثلَ الأرانبِ بَيننا !
الخوفُ عَلَّمنا طُقوسَ الخوفِ
عَلَّمنا المِزاحَ على الجِراحِ
و كُلِّ آدابِ الرقيق
الخوفُ أمسى مِثلَنا
في الليل يَبحثُ عن أنيسْ
فنظنهُ أحدَ المساكينِ
و نأوي ظِلَّهُ
لله أحياناً
و أحيانا نُسميهِ الرفيقْ
،،،
للخوفِ رَائِحَةٌ
تُحَرِّضُنا على كُرهِ النهار
للخوفِ ليلٌ
تَعشقُ النيرانُ فِيهِ ظِلالَنا
و تُمارِسُ الجَمراتُ
لَهجَتَها المضيئةَ بِيننا
كَمْ لَهجَةٍ للنارِ تَخترِعُ الكلام
،،،
كُنّا نُحَاذِرُ شيخَنا الصوفيَّ
نَعتَنِقُ الحذَر
الصمتُ كان مُقدساً
الخوفُ كان مؤالَّهاً
للشيخِ سُبْحَتُهُ
و للصبيانِ آلِهَةُ الهواء !
هذا إلهٌ مِن غُبار
هذا إلهٌ من دُخان
هذا إلهٌ من خَيال
هذا إلهٌ نامَ تحتَ الظنِّ
لا يبدو إلَهاً مُنتظَر
للشيخِ سُبْحَتُهُ
و للصبيانِ آلِهَةُ الهواء !
،،،
كُنّا نُحاذِرُ شَيخَنا الصوفيَّ
نخشى سِحرَهُ
و نخافُ يَمسخُنا قُروداً كالقرود
فلا نَعودُ مِنَ البشَر
فجنودهُ جِنٌّ عَفاريتٌ
و أشباحٌ طِوَال
و عُيونُهُ حَولَ العُصاةِ
تُمارِسُ المَوتَ المُحِيق
،،،
المُعجِزَاتْ ، المُعجِزَاتْ
كَمْ حَوَّلَ الآسادَ فِئراناً
وكم جُرثُومَةٍ
سَجَدَتْ على يَدِهِ
فَصارَتْ نَجمَةً
المُعجِزاتْ ، المُعجِزاتْ
يا إِخوَةَ الخَلَوَاتِ
مُنذُ وِلادَتي
الشيخُ يُرضِعُني حَليبَ الجِنِّ
يُلبِسُني جَلابِيبَ الخَفاء
و يَهِزُّ في قلبي تَرانيمَ البريق
،،،
يا إِخوَةَ الخلواتِ
كَمْ سَامَرتُ شَيخِي و الرُّؤى
في رَوضةِ المريخِ مَرَّاتٍ
و مَرَّاتٍ بِكُوخِ الشمسِ
كَمْ طابَ المساء
كَمْ شاء شَيخِي ما يَشاء
فَغَطَستُ أعبثُ بالهوى و غرائزي
و عَرائِسَ البحرِ العَميق
كَمْ لَيلةٍ طابَ الهوى
و رَكَضتُ في عَدْنٍ
قَفَزتُ لِجَنةِ الفِردَوسِ
ضَمَّ الشيخُ أشواقي
و بَعثرَها على ظَبيٍ رَشيق
،،،
طالَ الوفاء
لَكِنَّ شَيخِي شَاخَ و ارتَجَفَ الوفاء
ما عادَ شَيخِي عاشِقاً
ما عاد شَيخِي وَاثِقاً
فَكأنني سأُذِيعُ بالسرِّ العظيم
و كأنني
سأقودُ مَشْيَخَةَ الطلاسِمِ للحريق
الشيخُ شَعوذَ
و استَبَدَّ بِهِ السُعَال
فَتلاطَمَتْ في بحر عَينيهِ الشُكوك
و تَناثرتْ مِن أنفهِ لُغَةُ الملوك
قال استمعْ و اسجُدْ
تَرى رَبَّ السماء بِجُبَّتي
مُتَعَمِّماً بِعِمامَتي
اسجُدْ فإنَّ الرَّبَ شَيخُكَ
لا تُجَادِلُهُ فهذا لا يَليق
لأُوَلِّيَنَّك قِبلَةً
ما كُنتَ تَرضاها
فَيَمِّمْ نَحوَها
هِيَ قِبلَةٌ
سَتَكونُ ثَالِثَةً على نَسَقٍ أنيق
هِيَ قِبلةٌ
عُنوانُها للناسِ عِجلٌ أبيضٌ
لا مَعبدٌ أقصى
و لا رُكنٌ عَتيق
،،،
يا إِخوَةَ الخَلَواتِ
لا كانَ الفِراقْ
أنا لَمْ أُبِعْ صُوفِيَّتي
لَكِنَّنِي في حَضرَةِ الطُغيانِ
حَتماً لا أُطَاقُ و لا أُطِيق
الشيخُ شَعوَذَ
و الطريقةُ لا تَدِلُّ على الطريق
و أنا المريدُ العَاشِقُ الهيمانُ
لَكِنّي تَعِبتُ مِنَ الكراماتِ السخيفةِ
و السخافاتِ الكريمةِ
و الهدوءِ
و حَضرةِ الصمتِ العَرِيق
،،،
رَبَّاهُ ما ضَلَّ المُريدُ العَاشِقُ
لَكِنَّهُ شَقَّ الغِطاءَ لِيَسْتَفِيقْ