إحساس مضطرب - سعدي يوسف

أمسِ ،
قلتُ : انتهتْ سنواتُ العذابْ
أنا ظَهري إلى حائطٍ
والقبورُ أمامي بغَربيِّ لندنَ
والفجرُ ، دوماً ، ضَبابْ .
............
............
............
أمسِ ، قلتُ...
ولكنّ تلكَ الصنوبرةَ المستقيمةَ في البُعدِ ، لم تَتَّركْ لي ،
ولو لحظةً ، شاطئاً للتأمُّلِ. تلكَ الصنوبرةُ استقدمتْ ،منذُ
يومينِ كِيزانَها وثعالبَها والسّناجيبَ والطيرَ،
واستقدمتْ غيمةً تستقرُّ على جبهتي ، ثم نَسراً بأجنحةٍ
من هُلامِ ، ومَدّتْ على مَدخلِ البيتِ أغصانَها
وهي مضفورةٌ كالشِّباكِ الخرابْ.
انتظرتُ...
الصباحُ انقضى. واستراحتْ على الشُّرُفاتِ الظهيرةُ.
قَلَّتْ على الشارعِ الحافلاتُ.ولم يبقَ إلا المساءُ .
اقتنعتُ بأني سجينٌ ، وأنيَ لا أكرهُ السجنَ
( فالمرءُ يألَفُ ) قالَ لنا المتنبِّيءُ. في بغتةٍ ألمحُ الشيبَ
يَنبتُ في راحتَيَّ. الكلامُ العجيبُ ، إذاً، قد تَحقّقَ.
ها أنذا ألمحُ الشيبَ، فعلاً، على راحَتَيَّ،بلونِ الترابْ.
انتظرتُ...
الصنوبرةُ استجمعتْ ، كالرياضيِّ، أنفاسَها. والصنوبرةُ
اندفعتْ بثعالبِها والسناجيبِ والغيمِ والطيرِ والنَّسرِ ....
وال...وال...
وراحتْ تدقُّ على البابِ مجنونةً ، تتقاذَفُ كيزانُها؛
والفروعُ على جبهتي إبَرٌ واضطرابْ.
أنا ظَهري إلى حائطٍ...
والقبورُ أمامي بغربيِّ لندنَ
والفجرُ ، دوماً ، ضبابْ .