الفصول (2) - سعدي يوسف

لَكأنني في صَرِّ موسكو ، أكسحُ الثلجَ الذي غطّى مَمرَّ البابِ ؛
لكني هنا ، في لندنَ الكبرى، أُقَطِّرُ ما تبَقّى من رماد الصيفِ في قنِّينةٍ .
لَمّا يزلْ أيلولُ في كُتبِ الأغاني ناعساً . عيناي متعَبتانِ مِمّا اشتَطّتِ
امرأةٌ طوالَ الليلِ. قُلْتُ : أُلامِسُ الأوراقَ في النبْتِ الذي ذاقَ الندى
وتَسلَّقَ الأعماقَ . قلتُ: سأهتدي من نبْضِ أُنمُلةٍ ونُسْغٍ .
قلتُ : ألتجيءُ الصباحَ إلى قميص الخِضْرِ ، أو خضراءِ " لورْكا"، أو إلى
هذا النباتِ المُعتَلي بابي …
فتحتُ البابَ :
ضَوعٌ من رذاذٍ في حدائقِ مَن أحاطوا بي ، وذكرى من شموسٍ في دفاترَ
مَدرسيّاتٍ ،و عَرْفٌ لا يزال مُعلَّقاً بي من غصونِ الليلةِ البيضاءِ …
كان نباتُ بابي مثلَ ما كان ؛ التمَسْتُ وُرَيقةً أولى … تهاوتْ ، ثم ثانيةً،
تهاوتْ … وأخرى إثرَ أخرى . أصبحَ المَمْشى خريفاً ، بغتةً . من أينَ
جاءت صُفر ةُ الأوراقِ ؟ كيفَ اسّاقَطَ المعنى؟ تُرى ، ما نفْعُ أن ألقي
على ما في الأعالي نظرةً ؟
إني أردتُ ، فلم أجدْ بابي …