أحزان عمود الكهرباء - عدنان الصائغ

إلى ص. ن...!
هاكَ عمري،
وفلّهِ..
يا صديقي
لن ترى فيه غيرَ الشجونِ،
وهذا البياضِ الوقورِ
الذي يقفُ – الآنَ – بين المكاتبِ، والحلمِ..
بين اشتهاءاتِ روحكَ،… والنظرةِ المطفأةْ
لن ترى – بعد هذا العناءِ الطويلِ –
سوى قلمٍ ناحلٍ
يتآكلُ
شيئاً،
فشيئاً
كنتُ أبصرهُ
– في زحامِ المدينةِ –
مندفعاً في شرودٍ..
إلى بابِ إحدى الجرائدِ
أو حاملاً كيسَ صمونهِ، والكتابَ..
إلى بيتهِ
ما الذي ترتجيهِ من الركضِ
ها أنتَ قطّعتَ عمرَكَ
بين الوظيفةِ، والشعرِ
ها أنت وزّعتَ عمرَكَ..
لا…!
أنتَ وزّعكَ العصرُ
بين الدوائرِ، والشغلِ،
بين القصائدِ، والجوعِ…
بين الصحابِ، النساءِ، المقاهي، المخافرِ، أبنائِكَ الخمسةِ، طاولةِ البارِ، قائمةِ الكهرباءِ، الغسيلِ على شرفاتِ الفنادقِ، منتصفِ الفيلمِ، لغطِ الإذاعاتِ، طعمِ الفلافلِ، باصِ الحكومةِ، سبورةِ الدرسِ، صفّارةِ الشرطيِّ، الجرائدِ، لائحةِ اليانصيبِ، الأغاني الع
الوردةِ الاصطناعيةِ،
الهاتفِ المتقطّعِ،
بابِ البنوكِ،
المعارضِ,...
………………
……………
قلْ لي متى تستريحُ إذنْ..؟
هي أعصابُكَ – الآنَ – مشدودةٌ
بين أعمدةِ العصرِ
مكتظةٌ بعواءِ المشاغلِ واللغطِ...
مَنْ يمنحُ العصبَ المتآكلَ، بعضَ الهدوءِ الجميلِ،
على مقعدِ البحرِ
مَنْ سوف يتركُ طيراً طليقاً
يتأرجحُ منفرداً,
فوق أسلاكِ أعمدةِ الكهرباء
مَنْ يُبدلُ - الآنَ –
هذا الموظفَ ذا الربطةِ الأرجوانيةِ اللونِ
بالحلمِ...!
بالأرجلِ الحافياتِ على ضفّةِ النهرِ...
بالدفترِ المدرسيِّ الممزّقِ...
بالـ……
حلمٌ أنْ تعودَ العصافيرُ, ثانيةً
بعد موتِ الحدائقِ في الروحِ
أنْ تفتحَ المدنُ الكونكريتيةُ القلبِ شبّاكَها للقصائدِ
أنْ تستقيلَ من الحزنِ, يا صاحبي!
حلمٌ أنْ تغني كما تشتهي
وتسيرَ كما تشتهي
وتموتَ كما تشتهي…!
6/6/1985 السليمانية – جوارتا
********