أغنياتٌ.. لها - عدنان الصائغ

الدربُ طويلٌ، يا بنتَ حميدِ المرعب، يبدأُ من نقطةِ حبرٍ سقطتْ فوق قميصكِ - هذا المترفِ، كالثلجِ، كزهرةِ قدّاحٍ لمْ تتفتّحْ – ذاتَ صباحٍ تشرينيٍّ, في الصفِّ.. ويبدأُ من سحبٍ ماطرةٍ، رحلتْ من بين أصابعِ كفي، وهي تمدُّ إليكِ بأُولى أشعاري، المسكونةِ باللوع
كانتْ أشجارُ الرمّانِ ببستانِ أبيكِ، توشوشُ للحارسِ عمّا نفعلهُ تحتَ الأغصانِ! وتحفظُ أشعاري
وأنا أذكرُ – ما زلتُ – خطانا الحيرى في "حي الأنصار"، وخفقَ نوارسِ قلبي حين تحطُّ على جسرِ الكوفةِ قبل ذبولِ الشفقِ الورديِّ، وهمسَ الجاراتِ أمامَ بيوتِ الحارة، حين أمرُّ غريباً متشحاً بالوجدِ
أرقبُ شباكَكِ - من بُعدٍ - وأحدّثُ قلبي:
يا هذا المتشرّدُ تحتَ نثيثِ الأمطارِ.. تمهلْ
هل مازالَ بصدرِ العالمِ متسعٌ للحبْ..؟
*
الدربُ طويلٌ..
يا نفسي الصاعدَ والنازلَ..
والعمرُ قصيرٌ.. أقصرُ من فستانِ مراهقةٍ، عبرتْ واجهةَ المقهى، تتبعها النظراتُ الولهى..
وأنا أتبعُ خيطَ دمي... ينسابُ على الأوراقِ البيضاء ببطءٍ أخّاذٍ
وأنا مالي، ومراهقةٍ عبرتْ ـ قبلَ قليلٍ ـ واجهةَ المقهى
أوشكَ أن يفرغَ كيسُ العمرِ
ولمْ أكتبْ للآنَ قصيدةَ شعرٍ تسعُ الحزنَ البشريَّ، وجوعَ العالمِ..
لكنَّ العالمَ
ينسى في زحمتهِ المنكودةِ, أحزانَ الإنسانِ المنكودِ
وينساني...
وأنا أعرفُ أنَّ الوردةَ حين تموتُ
ستسحقها الأقدامْ!!
لكنَّ العطرَ سيبقى يملأُ قارورةَ قلبي...
*
الدربُ طويلٌ، يا بنتَ المرعبِ، يا شجرَ الحزنِ المورقَ في روحي
فضعي كفَّكِ في كفي.. نمضِ تحت الأمطارِ المجنونةِ، مرتعشين من الوجدِ, وبوحِ اللمساتِ الأولى...
ندخلُ سوقَ "السراي"
نفتّشُ بين رفوفِ الكتبِ المصفرّةِ..
عن حزنِ العالمْ..
عن أشعارٍ لمْ تُنشرْ للسيابْ
وعن موتِ الكلماتِ بهذا العصر..
فتغيمُ الأمطارُ المنسيةُ في عينيها،.. وهي تقلّبُ بؤسَ العالمِ في الأوراقِ المصفرّةِ
هل تعبتْ سيدتي..؟
هل تعرفُ أنَّ حضارةَ هذا العالم يحكمها السكين..؟!
لكنّا نختارُ ـ قريباً من جسرِ الصرّافية ـ مصطبةً فارغةً، نجلسُ - تحت رذاذِ الحبِّ الناعمِ – ملتصقين
تتماوجُ دجلة... خيطاً أزرقَ
يمتدُّ - وديعاً - من عينيها الصافيتين
..... حتى قلبي