الخــــــــــــراب - علي ناصر كنانة

سماءٌ جليديةٌ ...
وشوارعُ من ثلوج
لا تطفىء احتراقاتِكَ .
أيُّ تنوّرٍ متقّدٍ
يقلّبك على جنباتِ الالتياع!؟
...
عليكَ أن تستحضرَ الآن تنّورَ أمكَ ... يومَ كانتْ تقدّم لك رغيفاً ... لا أطيبَ منهُ ... في أيامٍ خرجتْ من عمركَ وإلى الأبد ... وفي مدينةٍ استحالتْ محضَ ذكرى ... وأنتَ تستنشقُ ثيابَ المسافرين الجدد ... لعل أحدهم يحمل عبقاً من "الرفاعي"...
مَن يطفىء احتراقاتكَ ...؟
بعيدون جداً ...
وحيدونَ جداً ...
لا أحد يبدّد على عتبات أبوابهم
وحشةَ الغروب ...
ولا ساعٍ يحملُ رسالةً منك ...
لا أحد يصغي لنواحهم
ولا أحد يصغي لنواحكَ
لو أنكم - في الأقل - تنوحون معاً .
...
كانتْ أمكَ تذهبُ لمآتمِ الآخرين لا لتبكي على موتاها ..
بل لتنوح من ضيمها!
...
كم من المآتمِ يستلزم الوطن ليكون وطناً...؟
قلْ : غرفةُ كئيبةُ لأمٍّ وولدها
كم من البكاء تقتضي الحياة ...؟
لقد نضبَ كلُّ شيء!
ألا من خرابةٍ تتسعُ لنا ...؟
هو وطننا ... نريدهُ :
جنّةً أم خراباً.
هي ذيً الأرضُ الخرابً ...
وذا أوان القصيدة ...
أو فناء القصيدة!
لم يعد يلزمكَ إليوت
ولم تعد تثيرك روايات الحرب
ولم تعد هيروشيما فظاعة العصر ...
هي ذي هائَلةٌ
أكوامُ الهشيم ...
وهذا الخراب المخيف :
كان وطنكَ الرائع .
*
ستوكهولم- مارس 1992