برقتَ كنجمةٍ وخبا زحامُ - علي ناصر كنانة

في ذكرى رحيل الجواهري الكبير
*
طويتَ القرنَ في صحفٍ عظامٍ
وتنشدُ كيفَ ينشدُها العظامُ
تزمجرُ بالطلابِ.. لنا حقـوقٌ
صهيلُ الحقِ ديدنُكَ: الكلامُ
وتربـأُ بالنفوسِ رضـاءَ ذلٍّ
تفشّى فـي طبائعها نـعامُ
رأتْ ما لا تجـيءُ بهِ المرايـا
فأبدتْ نعجةً ولهـا سنـامُ
يُصاغُ الموتُ في حللٍ تنادتْ
تخاذلَ مَنْ يضيمُ ومَنْ يُضامُ
نـمعمعُ كالقطيعِ بإثْرِ راعٍ
يلوّحُ بالعصا والسيفُ خامُ
وإنْ شذَّ الثغاءُ على خروفٍ
يباغتُ عنقَهُ – جَزّاً- حسامُ
تأبّى طولَ قرنٍ عن ظهـورٍ
ليُشهَرَ حين يُرتكَبُ الحرامُ
وبَيْنا العنـقُ مستَلبٌ ثغـاءً
تكيّفتْ النعاجُ ، لـها لجامُ
رمـادٌ في المواقـدِ قد تبقّى
ونارٌ في ضميركَ لا تنـامُ
تحدّيتَ العهـودَ وكنتَ نِدّاً
أشدَّ صلابةً ليُصانَ هـامُ
لعنـتَ الظلمَ قنّـعَهُ ضياءٌ
وجارَ عليكَ من ثأرٍ ظلامُ
هجرتَ ديـارَنا وأقمتَ فينا
فأنتَ وروحُنا حبٌ: غرامُ
وتدعـونا إلى حطَبٍ فها هيْ
حرائـقُ ليسَ يطفئُها كلامُ
وحرّضتَ الحشودَ على قيامٍ
فحدُّ السيفِ لو عزمتْ يُقامُ
طـويتَ القرنَ في شغفٍ لعامٍ
يطوفُ بحلمِهِ قـرنٌ وعـامُ
تـرى في الرافدينِ بزوغَ فجرٍ
يعطّرُ نورَهُ – سِلْماً – وئـامُ
عراقـاً للجميعِ لكلِّ طيـفٍ
ولا ينفي بهِ الودَّ الخصـامُ
وكلٌ يستخيـرُ هـوى إمـامٍ
ونجمِعُ إنـمّا الوطنُ : الإمامُ
فإمّـا الحـرُّ يفعلُ فعلَ حـرٍّ
وأمّـا أن يشبَّ بنا اضطرامُ
حيـاةٌ نستطيـبُ بها حيـاةً
ولا يطغى بنا المـوتُ الزؤامُ
كفى هذي البلادُ مخاضَ حلمٍ
يميتُ وليدَهُ – تترى - انقسامُ
سـلامٌ والسنونُ تخـرُّ ثكلى
يؤلِّبُ غيظَها – قرناً – صيامُ
ينـامُ التافهونَ على رغيـدٍ
وتسهرُ خوفَ يخذلُكَ اللئـامُ
وحسبَكَ بين مَن عُدّوا عظاماً
برقتَ كنجمةٍ وخبـا زحـامُ
قطفـتَ المجدَ تورثُـهُ عصورٌ
وقدتَ المجدَ.. يفتخرُ الزمـامُ
ضليلُ المُلْكِ بين يديكَ يشدو
غـداً أمـرٌ به عـزمٌ وجـامُ
رهيـنُ المحبسـينِ رؤىً تجلّتْ
كأنّ الليـلَ فاجـأَهُ تـمـامُ
ومَـن كانتْ أمانيـه المنايـا
كمثلِكَ لا يكلُّ هوَ الهـمـامُ
رعيلٌ من كواكبَ في حروفٍ
فتـى الفتيـان أنتَ ولا أُلامُ
وحسْـبكَ قمةً خلِدتْ لتبقى
فلا تأبـه بما كذبَ الطغـامُ
ونـمْ ملءَ الجفونِ بلا سهادٍ
وفيكَ تخاصماً سهـرَ ألأنـامُ
سلامٌ فوقَ قبـركَ أقحـوانٌ
يشاغبُ خـدَّهُ غَزَلاً غِـمامُ
شفيفُ القلبِ يسكرُهُ هيـامٌ
كأنَّ سجيّـةً طفحَ الـهيـامُ
تغضُّ الطرْفَ عن عمرٍ تناءى
وتطربُ أن يبادرَكَ الـيمـامُ
وتـهجو الظالمينَ على نقيضٍ
لمدحِ الزينِ يجذبُكَ انسـجامُ
تغرِّبُ إنْ يشـاءَ القلبُ غرباً
وشـرقاً إنْ تلّذَ لكَ الخيـامُ
عنيـدٌ لا تداهنُ قولَ لـومٍ
وتخشى أنْ يداهمَكَ انـهزامُ
مدحتَ وبُـحْتَ وقيلَ زوراً
فحاشى أنْ تلوّثَـكَ الأثـامُ
فروحُ الشعرِ فيكَ كروحِ طفلٍ
إذا راقَ الهوى جَزِلَ الكلامُ
تسيّـدتَ القصيـدَ لتغدو تلاًّ
بسفحِكَ يُستلذُّ لنا الفطـامُ
يدثّركَ الثرى مجداً ويـدنـي
سفالاتِ العرابيـدِ الرغـامُ
سلامٌ والضياعُ غدا طريـقاً
وهدَّ الحلْمَ من خذلٍ سُـقامُ
نعارضُ يومَنـا فيُقالُ : مهلاً
غداً : تبرٌ .. فيصدمُنا رخامُ
ويمضي العمرُ من فرْطِ افتـراءٍ
وليس القـولُ ما قالتْ حذامُ
فأعمارُ الطغـاةِ غدتْ طوالاً
وأعمار الشعوبِ هيَ الحطـامُ
*
تموز 1998