التـلاشـي - علي ناصر كنانة

أُغلِقتْ الأبواب
وكلٌ في دهشتهِ يتلاشى.
...
أُغلِقتْ الأبواب.. ومسرعاً هدرَ المترو.
هرعتُ أحلُّ رموزَ صراخكِ المتلاشي
بَيدَ أنني تلاشيت فيه.. فـي
الصراخِ الباحثِ عن شفاعةٍ
في ذراعين تعومان
في هوسٍ من الكلمات الصامتة.
...
الركّابُ مشغولون في قراءة الجرائد
أو إدارة أحاديث مقتضبة.
بحثتُ عن وجهٍ واحدٍ للعزاء
فلم أجدْ.
خبّـأتـُني في صرخاتٍ مكتومةٍ
والتصقتُ بالبابِ المتنائي
في انتظارات المحطةِ التالية !
...
الناس يستعجلون الصعود
وأنا أنزلُ.. أنزلُ قبل الأوان.
لا أحد سواي
يبحثُ عن شيءٍ لا ينشدهُ سواي.
أسندتُ رأسي إلى حافة النفق
لعلّ صدىً رحيماً يصلُني بكِ..
لعلّ صراخَكِ الغامضَ يذيب الحديد
لأستنشقَ حرارتَكِ.. وأفهم.
لعلّ القطارَ المغايرَ
يخالفُ مواعيدَهُ ويصل قبل الأوان.
أردتُ أن أعودَ
قبلَ أن يبتلعَني الزمن..
الزمن الذي أكلَ نصفي..
...
وبنصفٍ.. عاجلتُ نفسي
وحشرتُها في العربةِ المزدحمة..
لم يتسّنَ لي أن التصقَ بالباب.
خارجاً
أزاحتني أقدامُ المحطةِ المرتجاة.
...
كان نصفي قد تضاءلَ نصفاً
ومثلَ كرةٍ حزينةٍ بحثتُ عنكِ..
ولم أرَ شيئاً ولا أحدا..
حتى اجتذبني أنينٌ أخير..
قاربتُ بأناةٍ ويأسٍ:
كيف لي أن أحتضنَ التلاشي؟!
فاجأَني النواحُ.. أتدحرجُ حولكِ
وأتضاءلُ.. وتتضاءلين
حتى تلاشينا معاً.
*
14 نوفمبر 1998