أربـع قصائــد - علي ناصر كنانة

(1) الترحال
الوجعُ المتكلّسُ في صدغيّ الترحال
يبتعدُ قليلاً
ويبقى الترحال:
ينغمشُ عينيّ القلق.
...
المسافرون يتزاحمون في المحطات
كلاً نحو رحيلهِ المتواصل
في أوهام الأبدية.
المسافرون.. الأقلُّ حقائب،
أولئكَ البؤساء المنتمون إلى الوجعِ
المتكلّسِ في صدغيّ الترحال،
يتلفّتون نحو الجهاتِ كلّها..
نحو شيءٍ ما..
كما عرائسُ تتسربلُ بأردية الأحلام.
ولا شيء يلوحُ سوى الترحال
في آفاقٍ تتمدّدُ في حمّى الترحال.
...
في هوسٍ غاضبٍ
تنتفضُ الأجسادُ
لتسكنَ أخيراً إلى ترحالها غير الأخير.
...
للقبورِ أشكالٌ متفاوتةٌ
ودبيبُ الموتِ الكالحِ
يتسرّبُ دون هوادةٍ
إلى جسدِ الترحال.
*
15/11/2001
(2) التبـــدّد
أيّها الأزلُ الهائجُ في حنجرةِ الحلمْ
بدّدْني في غموضِكَ الحصينْ
وأذهبْ بي إلى حصونِكَ المنيعةْ
بعيداً عن جغرافيا الصمت..
لعلَّ في أروقةِ التاريخ
متّسعاً لصرخةٍ تلاشتْ.
الخيبةُ تذبحُ صهيل الصوائت..
منذ الأزل.
...
الزمنُ يخلعُ أرديتَهُ
والمكانُ هشّاً ينهار.
قدماي تتفطّران
وعارياً أسقطُ في الهوّةِ
التي سقطتْ سهواً
مع اللعابِ المتطايرِ
من خطاباتِ البلغاءْ!
لعلَّ متسّعاً لجسدٍ عارٍ
في أبديةِ القبورِ المغمورةِ بالجحودْ.
...
بدّدْني زجاجاً .. أيهّا الأزل المتشّظي في مرايا تخون.
... رملاً.. على متون الرياح: تعصفُ بالقصور:
تتهدّمُ في بركِ الحسابات الخاطئة.
... مـاءً.. يقطنُ في الغيومِ المحلّقةِ بلا جناحين
على حقول الظمأ التي تشربُ النفط.
... كلماتٍ.. تزهو بوحدتها..
حيث لم تعدْ الجمل المفيدة جوهراً للنظرياتْ.
...
رحمةً بما ضاعَ هباءً
بدّدْني شِعراً
كانَ تبدّدَ في رحلةِ الهباءْ.
لعلّ قراءً خائبين
يتلّقفون الحروفَ الخائبة!
لنتبـــــدّد معاً
أو نتوّحـــــدْ.
*
26/11/2001
(3) بعيداً.. في الضياع
أهتدي إليكَ من ضياعي
لأذهبَ بعيداً في الضياع.
أنا أعبُّ الريح
وأنتَ تعبُّ البحر.
دونما توقّف.
...
لا أحد ينشدُ الكلمات الخرساء.
الصمتُ وحده يعيدنا إلى الملتقى.
وبين الصمت التليد والصوت البليد
نخشى على رؤوسنا من القطاف.
...
يمطّني الظلُّ
إلى حيث لا تحتمل قامتي.
أنكسرُ قليلاً..
ثمّ كثيراً..
وأتلاشى.
مندهشاً في ضياعه المباغت
يتكثّفُ ظلي
لأجدَني ثانيةً هنا
رغم أنني تماماً هناك.
ينكمشُ الظل احترازاً
وتقصرُ القامة.
...
لا جدوى!
ثمة بابٌ تصطفقُ بقوة.
أشياءٌ تنغلق على أشياء.
زحام.
الوجومُ ينفرُ من وجه الريح.
الطيور تترامى مجرّدةً من الأجنحة.
خريفٌ مبّكرٌ يعتّمُ قمصان الأسئلة
وأنا أذهبُ بعيداً في الضياعِ
لأهتدي إليك.
*
28/2/2002
(4) ثـلاثـيـة
(1)
اقتفي أثراً
كنتُ رأيتُهُ بالكاد ذات مرةٍ
يدعوني إليه.
وما أن استجبتُ لدعوتهِ
أحالَني أثراً.
ومنذئذٍ أمسينا أثراً بعد أثر.
(2)
كانت الحياة تتهشّم في قدميّ
حينما كنتُ على مقربةٍ من اليأس.
ولكي أواصل المسير
نزعتُ قدميّ
واحتذيتُ اليأس.
وها أنا أمضي بلا هوادة
بقدمين من اليأس.
(3)
يتلاشى الأصدقاء من حولي
بطرق مختلفة:
الموتُ مشتركُها الوحيد.
كلما بحثتُ عن أحدهم
اصطدمتُ بشاهدِ قبر.
لقد سئمتُ من الوحدة:
وها أنذا أسكن قبورهم
وهم يسكنون بيتي.
*
20/6/2002