البلاد - كمال سبتي

ها نحنُ نـُبـعِـدُ فَـيَـتْبـَعـونَنا ..
" البيانُ الأخيرُ للثـُّوار 1920"
.. ويا خـَسـِـرَ الصَّـفقَةَ الـرّابحُ
" الجواهري"
***
القارِبُ الّذي لاحَ لي في النـَّهرِ كانَ جـُثّةً ..
أنكفئُ إلى سعادةِ شـُبـّاكٍ ،
إلى عـُريٍ لا يـُضاءُ بمصباحٍ ،
وإلى حـَطـَبِ شـتاءٍ يـُشعِـلُهُ غزاةٌ صحراويـّونَ .
يـَصْـهـِلُ حـِصانُ الـذَّهـَبِ والفضـّةِ ،
يـَصْـهـِلُ حـِصانـُكَ يا أميـرُ .
يـَرْتـَجِفُ الفنجانُ ،
يـُلطـِّخُ بالقهوةِ خريطةً مـُهَرّبة .
يـَصـْهـِلُ حـِصانـُكَ يا أميـرُ ،
حـِصانُ الذّهـَبِ والفـضـّةِ يا أميـرُ .
لا يبقى لي شـُـبـّاكٌ ولا عـُريٌ.
يبقى لي حـَطـَبُ شتاءٍ على بـُعـدِ نهـرٍ ،
يبقى الأميـرُ وصحـبـُهُ والّليلُ ،
ويبقى شـُـقـْـرٌ مُـلْتـَحونَ يـَنتـظِرونَ الفـَجـْرَ والمينـاء .
أنكفـِئُ إلى نبيـذٍ مـُعـتـَّـقٍ وحـكاياتٍ ،
إلى صـورةٍ للذّئبِ عـَلّقـَـها قائدُ الحملةِ على الحائطِ .
...
يـَخـْرُجُ جـَـنـوبٌ في حـُلّةِ الحـربِ، ..
يـخرُجُ مـُستـَكشِفونَ بالخـرائِطِ، ويـخرُجُ الذّئبُ بمنظارٍ.
قبرٌ إلى الذّئبِ، إلى كنـزِهِ المخفـيِّ في كلّ نومٍ، قبـرٌ إلى لـُغزِهِ،
إلى جنائنِ عينيهِ تسألانِ عن بـذَخِ ماوراءِ التـّلِّ، قبرٌ إلى سعادتـِهِ،
قبرٌ إلـيَّ أتخـفّى بينَ العـَرَباتِ بماضٍ أخفَّ من رصاصةٍ،
يناديـهِ الموتى: مـُتْ مـَعـَنا، فيتنكـّـرُ في هيأةِ غبارٍ يـشـْتـِمـُهُ الدّمُ الغارقُ، تـشـْـتـِمُهُ العـَـرَبات.
يـَخـْرُجُ منظارٌ بتأريخٍ مكشـوفٍ، يـخرُجُ ريفٌ صاخـبٌ بعباءاتٍ. تسـألـُـني عباءةٌ:
ما معنى أنْ نموتَ في النـّهرِ أو في العـَرَبَةِ؟ أسألُ العباءةَ:
ما معنى ألاّ نموتَ؟ يـُنـْصـِتُ لي نـَمـْرٌ من خـَزَفٍ على رأسـِهِ ينامُ طاووسٌ،
يُنـْصـِتُ لي ديكُ فـَجْرٍ شمعـيٌّ.
وتـُنـْصـِتُ لي سـُلَحْفاةٌ، أقولُ: أيـُّـها العـُمرُ.. الطـّاووسُ نائـِمٌ،
والخـَزَفُ والشـّـمعُ لا يَـنْطِـقانِ..
فـتـُـنـْـبـِئـُني السـُّلَحْفاةُ: أنْ اتـَّـبـِعِْ النـَّهرَ شـِمالاً.
أصـْـعَـدُ، ورائي حـُطامُ العَرَباتِ، والغرقى، وأمامي قامـَةُ الأفعى،
ظـِلُّ لـِصٍّ ليلـيٍّ. فاختـبـِئْ أيـُّها الدّمُ، تخـثـَّرْ،
رأسٌ بأربـعِ عـيونٍ سيعـْـزِفُ نشـيدَهُ في الطـّريقِ إلى القصـرِ.
قبائلُ ريفـيّـةٌ ستعـْزِفُ نشـيدَها في الطـّريقِ إلى القبـرِ.
أصـعـَدُ، تـُسـْمـِعـُني طُيورُ النـّهرِ سـلامـَها، يـُصادِقـُني طـيرانِ،
يـَحـُطـّانِ على كتـِفيَّ، يـَدُلاّنِ الماعزَ على العـُشـْبِ،
ويُـغنـِّيانِ للرّعاةِ أُغنيةً عن بنادقَ معطـوبةٍ.
أسـألُ: كيفَ يـُغنـّي الطـّيرُ عن بـُندقيـّة ؟..
يضحـكانِ.. يـُلـوِّحُ لي صـيـّادُ سـَمَكٍ بيدِهِ، يغضـبانِ، يطـيرانِ.
يـَحـُطّانِ على قصَبِ البرديِّ. أحـزَنُ فيعودانِ. أصـعـَدُ.
يـصـعـَدُ صيفٌ بالطـّبيعةِ كـُلـِّها. ماءٌ وشمسٌ وطـَيرانِ يـُغـنـّيانِ.
يـَصـْعـَدُ شـيخٌ. يَسـْـألُ رتلَ قبائلَ عن ثمنِ بندقـيـّةٍ.
عن قريـةٍ لتكونَ مخبأً. ضاعت الحكمةُ يا شيخُ.
أخـْرَجـَـها التـُّركيُّ من بيتـِها ليلاً، طافَ بها البـُلدانَ يـَسألُ تأويلـَها.
أوّلـَها الأقربونَ واعظاً، والأبعـدونَ جاريةً.
ضاعت الحكمةُ يا شيخُ.. مكتوبةً على جِلْدِ الظـّأنِ،
مـُخبـّأةً تحتَ القـشِّ، في قـَلعةٍ يحرُسـُها الجيشُ.
يـصْعـَدُ الهنديُّ إليها بالبنادقِ والأغاني،
ويـُخـبّئُ الرّيفيُّ ذكراها في بيتِ الطـّينِ مثلَ حـَرَزٍ..
...
ماتت الحكمةُ يا شيخُ، سـَمِّ الجهاتِ الأربعَ بأسمائـِها.
وتعلـّمْ أَنْ تَرى وأنتَ في الصّيفِ حـَطَـبَ شتاءٍ.
كأنـّي الحكيمُ والحكمةُ مقتولةٌ، والحفيدُ والسـُّـلالةُ مطرودةٌ.
فلتَـسْـتَمِعْ يا شيخُ، لسـْتُ حكيماً، وربـّما لسـْتُ حفيداً.
أعـُدُّ أسمائي وأُخـْطئُ في أقرَبـِها إليَّ.
ما ادّعيتُ أباً ولا شـَهَرْتُ سكـّيناً في خيمةِ الّليلِ لأقْـتُلَ زائراً.
سـّمـّـيْتـُموني ابناً فهَرَبْتُ إلى الكـُـتـُبِ تـُحَـدِّثـُـني عن روحـِكمْ في السـّحرِ والموتِ،
أُُصغي إليها بدمٍ حـَـنـونٍ، وأُقاوِمُ في نفسي قصـَّةَ أنـّها روحي فلا أقـْدِرُ.
فلْتـَـسْتَمِعْ يا شيخُ.. أرضى بشفيعٍ لا يـُـرى،
أُ يـَـمـِّـمُ دمعي لغيبـِهِ، وأُفـَسـِّرُ معنايَ بذكراهُ.
...
يأخـُذُ بيدي، يـُدْخـِلـُني كـَهْفاً يـُسـَـمّى النـّورَ،
على بابِهِ رُسـِمَتْ كفٌّ سـوداءُ، لا يـَدْخـُلُ الطّيرانِ،
يـَبْقـَيانِ قربَ البابِ، قربَ جـرَةٍ مكسـورةٍ. لِنـَقـُلْ إنـّهما حارسانِ.
أُمْسـِـكُ بيدي، إذْ لا أتلمـّسُ يدَ الشـّيخِ في الظـّلمةِ.
أَيَـطولُ الوقتُ، فإنـّي لا أرى شمسـاً؟ يقولُ: اتـّئِدْ في مـَشـْيِكَ،
وتـَلَمـَّسْ حائطَ الكهفِ كـُلَّ مـرّةٍ. ســيـَصـِرُّ بابٌ خشـبيٌّ فتـَدخـُلُ منهُ إلى النـّّورِ. وما رأيتُ شمـساً.
يقولُ: خذْ عصاً مـُعَلَّقةً على البابِ، وتَلَمـَّسْ بها الطـّريقَ إلى حفرةٍ.
أفَأَسـْقُطُ فيها؟ يقولُ: لا، سـَيـَخْرُجُ منها نورٌ. وما رأيتُ شمساً.
يقولُ: بلى قدْ رأيتَ.
...
يـَحـُطُّ الطـّيرانِ على كـَتـِفيَّ، يـسْألُ: ماذا رأيتَ بينَ البابِ والبابِ؟
ما رأيتُ شيئاً. ماذا رأيتَ بينَ البابِ والحـُفرةِ؟
ما رأيتُ شيئاً. أَوَ لَمْ تـَحلُمْ ؟ أقولُ بلى.
مـَثُلْتُ بينَ يديكَ شاهداً فأنـَّبْتـَني، ومحارِباَ فـَغـَرَقـْتَ قبلي.
يقولُ: اصعـَدْ إذنْ.. لقدْ رأيتَ النـّور.
...
أصعدُ. سائِرتانِ قَدَمايَ إلى حفلٍ يـُشبهُ نومَ غابةٍ في الفـَجـْرِ.
حفلٌ لا ختامَ لهُ حتـّى تقولَ: في ختامِ الحفلِ رأيتُ الأميـرَ في محطـّةِ القـِطارِ.
تلكَ حكمةٌ نـَسـِيَها صاحبُ الكهفِ، أو ما كنتُ عـَرَفتَ أنْ أراها بينَ البابِ والبابِ،
أو بينَ البابِ والحفرةِ. أصعـدُ، طيرانِ يـُغـَـنـِّيانِ عن نسـاءٍ يـَحْمـِلْنَ الجـِرارَ إلى مـُسـَّلَحينَ عـَطِـشـينَ.
في يدي طبيعةٌ أنفـُخُ فيها فـَتـَتـَراءى لي كـُثبانُ رملٍ، وتتراءى لي قـَلعـَةٌ مـَحميـّةٌ بأشباهِ عـُراةٍ. كـلٌّ يـَحمـِلُ طبـْراً، وقـِلادَةً بـَصـَدَفـَةٍ واحدة.
أنـفـُخُ في الطـّبيعةِ ثانيةً فيـَخْرُجُ رأسٌ بأربعِ عيونٍ، فأعجـَبُ لمنْ ليسَ لهُ ظـَهْرٌ. أقولُ هذا لا يـُغـَنـّي ألماً عن طـَعـْنةِ الظـّهرِ.
أنفـُخُ في يـدي ثالثةً فتـَتـَراءى لي قبائلُ يـَدْفـَعـُها مـُسـْتـَكـْشـِفونَ إلى كـُثبانِ الرّملِ،
يـُطـْبـِقُ عليها أشـْباهُ عـُراةٍ، كـُلٌّ يحمـِلُ طـَبراً ورأسـاً بأربـعِ عيون.
...
وفي يدي طبيعةٌ أنفـُخُ فيها فيـخرُجُ لي أعمىً، أقولُ:
أعـِدْني إلى الكهفِ كي أرى ما بينَ البابِ والحـُفرةِ،
ما رأيتُ النـّورَ، رأيتُ قبائلَ مدفونةً. أضيعُ بينَ البابِ والبابِ.
لا أتلـَمـَّسُ يَدَ صاحبِ الكهفِ ولا أيَّ حائطٍ. يـَصـِرُّ البابُ فيقولُ الأعمى:
خـُذ العصا واضـْرِبْ بها الحفرةَ يـَخـْرُجْ منها تابوتٌ،
يـُسـمّى النائمُ فيهِ ميـِّتاً، والظّلمةُ وقتاً تـَحارُ في دمعـِهِ.
نادِهِ يا أخَ التـّابوتِ ويا دمَ الظـُّلمةِ، وإنْ خـَطـَفَ شـُعاعٌ فلا تـَخَفْ،
فذلكَ كلامُ الموتى يـُحـَيـّي الزّائرَ.
وقـُلْ صباحَ الخـيرِ فلا يـُحـَيـّى الموتى إلاّ بصـباحِ الخيرِ.
وإنْ خـَطـَفَ شـُعاعٌ آخـَرُ فذلكَ كتابٌ حـُفِظَتْ فيهِ أسماؤُنا.
...
سيسقـُطُ منهُ سـَميٌّ مثْلَ ثـَمَرةٍ.
خُذهُ، امسـَحْ عنْ جبهتـِهِ التـّعـَبَ والتـّرابَ. دعْ عينيهِ مـُغْمـَضَتينِ.
بلّلْ شفتيهِ بالماء. وتـَنـَحَّ عنهُ خـُطوةً..
...
ما كانَ لي ألاّ أدخـُلَ الكهفَ.
ما كانَ لي ألاّ أصحَبَ الأعمى.
وما كانَ لي ألاّ أُمـَرِّرَ يداً فوقَ خـَدِّ سـَمـِيٍّ. ظُلمةٌ تكتـَمِلُ.
أُغْمـِضُ عينيَّ. فأرى عينيهِ تـشِـعّانِ بما يـَخفى.
أَوَ قـَتـَلوكَ يا سـَمـِيُّ؟ لا يـَنْطـِقُ الكتابُ.
ما كانَ للشّفتينِ أنْ تـَحـْرُسا تابوتاً أو تـُخفِيا سـرّاً.
ما كانَ لظـُلمةٍ أنْ تـَنْـفـَتـِحَ إلاّ بظـُلمةٍ.
تلكَ هيَ حـِكمةُ صاحبِ الكهفِ. كمن أُغـْميَ عليهِ،
أُمثـِّلُ دَورَ ميـّتٍ أمامَ شـُعاعٍ يـَنْكـَفئُ إلى خـَشـَبٍ..
أسـْمعُ ما يـُشبِهُ الصّوتَ: قدْ رأيتَ النـّورَ.
ما كانَ الصّوتُ لصاحـبيَّ. أزحَفُ أو أصعـَدُ. كأنّها البئرُ.
أتوسـّلُ قبْضةً على البابِ أو نأمةَ لحارسينِ.
أسمَعُ الرّيحَ تدخُلُ. تأتي على أثَرٍ بعدَ أثرٍ.
كيفَ تخونُ الرّيحُ ميـّتاًً يا آلامي؟
يـَدُلـُّـني ما يـُشْبِهُ الصّوتَ على كـُوّةٍ في الظـّلمةِ.
تلكَ هيَ حكمةُ الكهفِ ونشيدُ آلامي.
لا ينطـِقُ السَّـميُّ، لا ينطِقُ الكتابُ..
...
تمحو الرّيحُ أسماءَنا. التّرابُ خائنٌ، والماءُ خائنٌ.
نودِعـُها قبراً. نـُهَرِّبُها بالعيونِ لا بالشـّفاهِ. يظـُنُّها الثعلبُ شـُروداً، والمـُسْتكشِفُ نَظَراً شَزْراً..
تحيا إذْ ننامُ، نـُبصِرُ بها مَمَـرّا أزرقَ إلى سفحٍ،
ينْتَظِرُنا حِصانٌ طائرٌ وإخْوةٌ فُرسانٌ،
يصعدونَ بنا إلى باحةِ العارفِ، نستلقي على عـُشْبِها، وننامُ.
يوقِظُنا مـُنادٍ: أنْ سيأتي..،
نسعى إلى كـُرسـيِّهِ. كُلٌّ يحمِلُ ذكرى واسماً وحكايةً..
وننامُ، يوقِظُنا واعظٌ أخطأَ في نُطْقِ أسمائِنا.
قالَ: أخطأتُ في الوجهِ والكلامِ. قُلْنا: الدّمُ وجهٌ، والدّمُ كلام.
...
دُفِنَ الرّيفُ في الصّيفِ. التّرابُ خائنٌ والماءُ خائنٌ.
ما نـَطَقَ النّهرُ بما رأى. سأكونُ سـَحابةً فأمازِحُ التّرابَ،
وقارباَ فأغرقُ في النّهرِ، وعرّافاً فأسألُ عنْ ألفِ عامٍ مضى،
وبعضِ عامٍ سيأتي، فأقولُ: كانَ الماضي أخَفَّ منْ كلِّ موتٍ.
وأكونُ شاعراً فأرْبأُ أنْ أموتَ قبلَ أنْ يثأرَ الكلامُ منـّي فلا أرقـُصُ رَقصةَ الثّعلبِ.
وأكونُ ما لا أكونُ فأقولُ: يا أللهُ الّذي أعرِفُ،
وأللهُ الّذي لا أعرِفُ: لمْ تـَبْقَ يدانِ اثنتانِ إليكَ ولا عينانِ.
دُفـِنَ الرّيفُ قي الصّيفِ.
طيرانِ حائرانِ يسْبِقانَني إلى ذهبِ يـُسَمّي نفسـَهُ الشّمسَ، يضيعانِ، وتضيعُ عينايَ.
لا أرى الأعمى. أقولُ يا شمسُ ويا ذهبُ إنـّني ضائعٌ.
تقولُ السُّلَحْفاةُ: البابُ ذاكَ بابـُكَ.
فأكادُ أتهجـّى سميـّاً وأكادُ أُبصـِرُ قبراً عرَفْتُهُ ذاتَ مرّةٍ. أهـُزُّ شـُبّاكـَهُ بقـُوّةٍ.
أُنادي: يا أخَ التّابوتِ، يا دَمَ كلِّ بيتٍ، وحـَيْرَةَ كلِّ مـُغَنٍّ مـُنجـِّمِ في الّليل.
قدْ ضِعْتُ بهذا الرّيفِ، فانطِـقْ.
تـَشَـبَّهَ بنا صائدُ الفرصةِ وواعظُ الجـُمْعَةِ وفارشُ البساطِ. فبَسـَـطْنا لهُ كفـّاً لكي يقراَ طالعاً..
وكانَ نشيدَنا، تحيّـتـَنا في فـَطورِ الصّباحِ، ووداعـَنا في الّليلِ إلى نومِنا،
قَرَأَ: الوجهُ خائنٌ، والكلامُ خائنٌ.
...
أهـُزُّ شـُبّاكَهُ بقوّةٍ، تقولُ السـّلحفاةُ: كلُّ قبرٍ بابٌ إلى القـُبـّةِ.. كلُّ شمسٍ.. وكلُّ ذهبٍ.
هذهِ تميمتـُنا والجرّةُ المكسورةُ والجثـّة الّتي تـُشبِهُ قارباً.
وما كانَ في نفسي أنْ أسكُتَ وقدْ وشى الطّالعُ بقارئِ الطّالعِ،
قلتُ: أَوَ ليسَ لي إلاّ أنْ أُبارِزَ منْ لا يخسـِرُ ؟
قلتُ: يا ذِكرياتي بماذا تتعطـّرينَ حتّى تتحمـّلي رؤيةَ قبرٍ كلَّ حينٍ؟ ..
وأنتَ أيـُّها الطّالعُ منْ قراءةِ الطّالعِ.. ستَـفرِشُ البـِساطَ للأميرِ..
في الطـّريقِ إلى التـّاجِ. سترقـُصُ رقصةَ الثّعلبِ تحتَ مطرِ الصّيفِ.
ستـَطْرُدُنا كلَّ جُمْعَةٍ من بلادِ القـُبـّةِ.. بلادِ الشّمسِ والذّهبِ.
وســَـتَـقْـدُمُ بأربعِ عيونٍ وطـَبْرٍ، تقولُ: مدائـحـَكَ ياريفُ.. فتـَسْـمَعُ:
...
عـِمْ صباحاً أيـُّها المـَلِكُ،
عـِمْ مسـاءً أيـُّها المَلِكُ،
عاشَ المَلِكْ.
ماتَ المَلِكْ..
______________
* كُتِبتْ هذه القصيدة بين عامي 1995-1997. وهي نتاجي الشّعريّ الوحيد لتينك السنتين. إلاّ أنها لم تكتملْ. فعدتُ إليها في شباط عام 2001 بعد الانتهاء من كتابة "حكاية في الحانة".. فاكتملت في الثالث عشر من حزيران من العام نفسه.