أطوار بهجت - مالك الواسطي

" ونحن من منفى إلى منفى
ومن باب إلى باب
نذوي كما تذوي الزنابق في التراب
غرباء ..
عبد الوهاب البياتي "
" - أطوار ......
لا أريدُ أن تتحققَ نبوءة البياتي معي أيضا ،
لذا حزمتُ أمتعتي ، وقررتُ ترك منفاي ،
وعزمتُ العودة إلى بغدادَ ،
ولكن ؛ أرجوك ثم أرجوك
أنْ تخبريني :
متى يعود الربيعُ إلى بغدادَ ؟
كي أعود إليكم مسرعاً.
لا تنسي ذلك ، أنا في انتظار ردك عليَّ .
مالك .. نابولي ...في 9 من نيسان ..."
(1)
في وجهها قد أطلقوا عشراً من الطلقاتِ
قالوا : لم تمتْ في ظلها الضحكاتُ بعدُ !
ولمْ يفارقْ بعضَها في الظلِّ بعضُ
ولمْ تمتْ في عينها الأيامُ
لمْ تغفُ على الشفتين رائحةُ البنفسج
لمْ تغادرها الأماني
لم تكنْ طيفاً
ولا ظلاً
ولا ريحاً
ولكنْ ؛ لمْ تمتْ في الظلِّ بعدُ !
ولمْ يكنْ في الصبحِ غيرُ الصبحِ ، تواً ، يدخلُ الساحاتِ ، تواً ، يدخلُ الثكناتِ ،
يدخلُ بيتها المرمي في وجعِ الزقاقِ ، يدقُ في عجلٍ على من فاقَ في حزنٍ له رَقْراقْ ،
يرفلُ في ثنايا البيتِ ، يشكو مَنْ تخلّفَ في دفاترها ويُشعِلُ في الخطى أملَ الجنودِ ولوعةَ
الثكناتِ ، كانت في زقاق الحي ، عوسجةٌ ، تحبُ ضحى العراق ، طيوره المتفرِّقات على
المنافي ، العالقات على الصدى ، والصبحُ يدلفُ مرةً أخرى كعطر البرتقال ، يدقُ أبوباً...
...وبابٌ في مداخله بدت أحزانُ عاشقةٍ تعلقَ في محبتها السحاب.
والصبحُ يدخلُ بيتها الغافي على وجع الطريق ، يشمُ في همساته وجعَ الصديق ، هديلُها
كالبيت يحلمُ أنْ تعودَ إليه ، تحملُ في جدائلها غناءَ العصرِ ، تنسجُ في الخطى ضحكاتها
المترنمات بعطر ماء الورد ، أنْ تأتي وأنْ تأتي .... وأنْ تأتي ....
... ولمْ تأتِ
يظلُّ البابُ موصوداً وكان الليلُ محسوداً ، يطلُ على الزقاقِ ، يراقبُ الماشينَ ،
قد .. ولربَّما جاءوا بأخبارٍ لها .. ولربّما ، مكثتْ قليلاً عند صاحبةٍ لها ، ترفو
ثيابَ العمر للآتين في أطياف أغنيةٍ ، ترددها الصبايا عند مطلعِ كلِّ فجرٍ غارقٍ في
بركةٍ أو طينْ.
(2)
في ظلها قد أطلقوا عشراً من الطلقاتِ
قالوا : لم يمتْ في ظلها الولهانِ ظلُّ
ولم يفارقْ لوعةَ المحبوبِ خلُّ
ولم يزلْ في حجرها طفلٌ يردُ لها السلام
ولم تغادرْهُ ابتسامتها ،
ولمْ تحزنْ على صرخاتهِ ، طوراً ، سوى لغةِ الحمامْ
ولمْ يكنْ جرحاً
ولا صوتاً
ولا قولاً
ولكنْ ؛ لم يمتْ في حزنها الولهانِ ظلُّ
ولم يكنْ في الصبحِ غيرُ الصبحِ ، كان الصبحُ صيفاً يفرش الصحراء ، يدلفُ
في دفاترها ، شعابُ القلبِ يسكنها هوى الأحباب ، عالقةٌ بها الأثواب ، عرسٌ
غارقٌ في لجةِ الأصحاب ، يهجعُ في مضاجعها وينتظرُ العشيةَ ، أنْ تجيءَ إليه ،
تحملُ في خمائلها بقايا دفترٍ وكتابْ...
لم يعدْ الضحى إلا ضحى الأغرابْ
وجهاً تائهاً ترفو له الألقابْ
يدلفُ في دفاترها ،
مفاتنها ،
تظلُ تموجُ طافحةً بلون البابْ
حائرةً أراها هنا
تطوفُ بما تبقّى من غبار البيت
يسكنها هوى غلابْ
موجٌ عالقٌ بسحابةٍ ضاقت بها الأنسابْ.
(3)
في ثوبها قد أطلقوا عشراً من الطلقاتِ
قالوا : لم تمتْ ألوانُ هذا الثوبِ بعدُ !
ولم تزلْ في صمته الكلماتُ واقفةً ،
تطيلُ القولَ في وطنٍ لها ،
ما حدَّه في الأفقِ حدُّ ،
يبيتُ في أكمامه الشعراءُ في غنجٍ
ولكن ؛ لم تمتْ في صمته الأيامُ بعدُ !..
والطيفُ من وجعٍ إلى وجعٍ ومن وطنٍ إلى وطنٍ يقلّبه الشقاء ، بكاؤها كالبيت
تسكنه المحبةُ ما تشاء ، دفاترُ العشاقِ يجمعها الرجاءُ ببيتها حيناً وحينَ به تقصُ
حكايةً فاضت بأنجمها السماءْ ، وقيل :
قد تأتي العشيةَ وحدها في الظلِّ
تهجعُ عند باب البيت
تركنُ في دفاترها
تقلبُ وحدها الأيام
تنسجُ من بقايا دمعنا ثوبا لها وذؤابةً وكلام
يسكنُ في مسامعنا :
لقد عدنا
نبيعُ الوردَ في الطرقاتِ
نسقي ليلنا الحسرات
نحلمُ أنْ يضيءَ الفجرُ في الثكنات
يا قصرَ النهايةِ
لم تزلْ لك في مداخل بيتنا آهات.