تحولاتُ العاشقِ في نصٍ مفتوح - مالك الواسطي

(المتن)
{ اشتدَّ الحُزْنُ عَلِيه وطارحَتْهُ المنايا ، فاسْتَجارَ بصَوتٍ قَريبٍ مِنْ أُذُنيهِ، غَيْرَ أنَّ المسافاتِ قد فارقتْ شَكلَها وامتداداتها عَادتْ هباء. فاحتَمى سَاعةَ الافتراق عَنِ الحُزنِ بطيفِ المكان. فحارتْ به الدنيا وحارَ بها وقالَ قولاً لَمْ يَسْمَعْه
***
(النص)
كانَ الوقتُ سجيناً ،
يَحْتَضِنُ الغائبَ في غيبتِهِ ،
يَنْسِجُ آهاتِ مَحَبَّتِهِ ،
يَتَجلَّى في اللاتكوينْ.
يَتَمدَّدُ في البُعْدِ وفي اللابُعد ،
لا شكلاً يؤويه ، لا وطناً يعرفُ ماضيه ،
كان الوقتُ سجيناً ،
يتناثرُ في الحكمةِ ظلاً ،
يأتي مغروساً بأنينْ.
تخنقهُ الظُّلمةُ في الحُبِّ وفي اللاحبِّ ،
يطوفُ قليلاً في الاثنين ،
يتماها في كُلِّ جنين.
سالَ الوقتُ ،
وكادَ الصمتُ شروداً في كلِّ يقين.
صارَ الوقتُ دهيناً ، خشناً ،
يتلفلفُ في وجعِ التكوين.
والحزنُ الكامنُ في العينين ،
وطنٌ وسحابْ ،
يا ورقَ العنابِ
ترجلْ !
فالأطفال نيامُ والشارعُ يسكنه الخوفُ
وأبي المترحلُ نحو دمشقَ ،
يتقصى أخبارَ الدولة في التلفازْ
والربُّ القابعُ في خزانِ الماءْ
ينضحُ عرقاً ، يتوارى في كل رداءْ
يتصاغرُ في أفواه الصبيةِ ،
يتباكى في كُلِّ سماءْ.
***
يا ورقَ العنابِ ،
مِنْ أينَ سيبدأ هذا التاريخُ
الملفوفُ على أحزمةٍ ناسفةٍ ؟
من وجعي !
أم مِنْ كُتُبِ الأجدادْ !
أم مِنْ حُبٍّ غافٍ فوقَ حروفِ الضادْ !
كان الوقتُ عفيفاً
مكتئباً في الترقينْ.
فاضَ الوقتُ،
وكان الحبُّ ضياءاً
يمنحَهُ الخالقُ للمخلوقْ
ثياباً لا يسكنُها البردُ
مساءاً ، لا يعرفُها غير العاشقِ والمعشوقْ.
***
حجرٌ في الطريقِ المؤدي إلى الربِّ ،
يصغي لوقعَ الخطى ،
يرتدي ما تبقى من الليل ثوباً ،
يفرُّ بجرحِ المسافةِ ،
يفتحُ في الظِّلِّ ذاكرةً ،
تستحمُ ببردِ الضحى ،
حجرٌ في الطريقِ المؤدي إلى الربِّ ،
بيتٌ بظلِّ الفراتْ ،
يسكنُ الموتُ أيامَهُ ، يحتمي بالمتاهاتِ ،
يبكي بكُلِّ الصفاتْ.
والفراتْ ،
كانَ قبل الفراتْ ،
مأتماً قابعاً في الفجيعةِ ،
بيتاً لكُلِّ اللغاتْ.
والفراتْ ،
مسكنٌ للمهاجرِ نحو المطرْ ،
حجرٌ عالقٌ في رمادِ الحجرْ.
***
صار صوتٌ لفريدريش
غابةً للبكاءْ
راقداً في سرير الفجيعةِ ،
شاكياً للطبيعةِ ،
حزنَ هذا المساءْ ،
زارعاً وجهه في المرايا ،
زهرةً ،
تنسجُ الكبرياءْ.
صار صوتٌ لفريدريش
منزلاً للقصيدة ،
يتقرى تجاويفها والشقوقَ ،
جُرحُها في بلاد المتاهات طيفٌ حزينْ ،
صوتُها ،
جسدٌ يلبسُ الدهشةَ ،
في شقوقِ القبور الوديعةِ ، يغفو
على الظِّلِّ حيناً ،
وحيناً يفيقُ بصوتٍ حنين.
***
يا ورقَ العنابِ
ترجلْ !
فالوقتُ ضبابْ ،
وأنا الغَارقُ في الأنساب ،
ضِعْتُ وضَيَّعَنِي الأصحَابْ ،
مذهولٌ بالصمتِ الطالعِ من تاريخٍ ،
يتكدسُ أوراقاً وسرابْ.
وأنا العاشقُ ،
أبحثُ في لغةِ الأحباب ،
عَن ضَوءٍ يأتي ، عَن وَطنٍ يسكنُهُ العُنَّابْ.
فدموعُ العاشقِ جرحٌ للمعشوقِ
تَغفو تَتهامسُ في الدَّهشةِ
يَسكُنها صُبحٌ وغِيابْ.