مَنْ يَا تُرى يهواكَ ؟ - مالك الواسطي

مَنْ يا تُرى ،
يهواكَ في البلد المخبئ عنوةً في الذاكره ؟
مَطَرٌ على شُرُفاته
يَنْسابُ عِطْراً ، يعتلي وجهَ الرصيفِ ، للحظةٍ ،
حيناً وحيناً يستظلُ بمقبره.
والراحلون كما الأماكن ، يلهجون قصيدةً
كُتِبَتْ على طيفٍ تساقطَ في فناء الدارِ
جاءَ بهِ الخريفْ.
والبيتُ ، ذاك البيتُ ، يومَ تركتَهُ
ضاقتْ بهِ العبراتُ ، ارتجتْ جوانبُهُ ،
وفارقَ بابَهُ صوتٌ لضيفْ.
ودموعُ أمِكَ ،
قد روتْ شجرَ الحديقةِ ،
واكتوتْ حزناً ، ولاكتْ في غصاصتها الرغيفْ.
والليلُ ، هذا الليلُ ،
منذُ بدا النهارُ يغيبُ بينَ مصاطب المتسولين ،
يلمُّ أحزانَ العتابْ.
ويشدُّ من أزرِ الغيابْ.
ويسيرُ ما بين الأزقةِ ،
طارقاً باباً ببابْ.
يصغي لدقاتِ القلوبِ ،
الهائجاتِ كما السُحابْ.
يصغي لأصواتٍ
تغيثُ ويستغيثُ بها الخطابْ.
والبيتُ منذُ تركتَهُ
سكنتْ على حيطانهِ لغةُ الترابْ.
مَنْ يا تُرى ،
يأتيكَ ، يطرقُ بابَكَ الورديِّ في بلدٍ غريبْ. ؟
مَنْ يا تُرى ،
يأتيكَ بالقدر المفرقع دهنه بيضاً وتمراً
عند ساعات المغيبْ. ؟
مَنْ يأتي باللبن المحبب والحبيبْ.؟
مَنْ يا تُرى ،
يهواكَ في البلد الذي قد جئت بين ظلاله ،
تشكو متاهات النصيبْ.
ولسانُ حالكَ ، لا يجيبْ.
فارقد ، هنا ، زمناً ومُتْ حجراً
على شرفات بيتكَ ،
لا تفارقْ !
فالريحُ دفتركَ القديمْ.
والبيتُ من زمنٍ يراكَ بحلمهِ ،
طيفاً يجيء به النسيمْ.
حجرٌ تكون على طلال البيت دهراً ،
لا تفارقْ. !
فالظلُّ يبقى قائماً ،
كفناً يظلُّ ولا يفارقْ.
فارقد هنا ،
حتى يجيء الصبحُ ملهوفاً يعانقْ.