أرمي بنردي إلى الهاوية - محمد مظلوم

أنا كلـَّما نظرتُ إلى الهاوية
رأيتُ سهامي تتعثـَّرُ بآثامِها
كأنني ملائكة ينتحرونَ ببعضهم
ولم يبـْقَ منِّي سوى شركاء في الهاوية.
أنا كلـَّما نظرْتُ في الهاوية
تهيَّجتْ حملاني بنداءِ نارٍ ضريرة
لكأنـَّـني أمشي عَلَىْ صمـْتي،
بينما خيوطٌ من ظلالٍ مدْفونة،
تتشاجر فيما بينها كلـَّما تفتـَّتَ
تحتَ أقدامي،
حجر الهاوية.
لكثرة مَنْ رثيتُ ـ في الطريقِ إلى الهاوية ـ
نمتُ مع السَّماء،
وتمشَّيتُ في النارِ ومعي قبلاتُ كثيرةٌ.
وصار أصدقائي
ينفلتون من المشاجراتِ جريحاً جريحاً
ولمعانُ أفواههم يتخبَّطـُ في كلِّ الجهات.
روائحهم بلا خرائط،
كأنـَّهم يخلطونَ حبـْرَهم بالأدوية
ويرْسلونَ حقائبَهم بالبريدِ أو القواربِ،
وليسَ لديهم ما يستحقـُّونه!
قبْـلَ هذا وبعدَه
الليلُ مأهولٌ بأشجارٍ عزْبـاءَ،
وقوافلـُه تجرُّ أسرارَها عَلَىْ الأرْض.
صورةُ مـَنْ هذهِ الملوَّنـة بآلامٍ وساعتـُها عاطلة؟
لعلـَّها خيانة تـُشرقُ في الماضي،
وعَلَىْ فمي منها تفـَّاحة،
وأنا نائمٌ في الأنقاض.
*
أنا مسـْرعُ في مواجهةِ النـَّهار الذي يعدُّ لي وليمتـَه
غير منتبهٍ لسحَّاب بنطالي الذي يثرثرُ منذ الصَّباح!
كأنـَّـني أخـْلقُ من نسياني خجلاً
لمظليين يهاجمون الجنـَّة منذ عدَّة قرون
وأنا كلـَّما نظرت في الهاوية،
ارتعشت آباري في نومها
وحلـَّقتْ من عيوني قططٌ مقوَّسة الظهْـر
كأنـَّها تودِّعُ السَّماء
وتشمُّ رائحة طائراتٍ في المستقبل.
*
فلماذا أوصيتُ عَلَىْ نظـَّارة طبية،
لعيوني التي تتكاثر في الغابة،
هل أنا العازفُ الأخيرُ تحتَ نوافذك المغلقة
أيتها الهاوية؟
*
قـُلتُ للصحـْراء وكانت كثيرينَ،
لا تقـْربوا الأضرحة بآثامي
أنا شريككم في الجنـَّةِ الممحوَّة،
قلتُ للنهْـر، وكانَ هارباً من الجنـَّةِ ايضاً:
مَنيُّ العبيدِ أسودُ!
وما البياضُ سوى حبلٍ سريٍّ لتهريب المستقبل.
*
أنا كلـَّما نظرتُ في الهاوية
وجدتـُني واقفاً في العرْس،
بينما شخصٌ يحاولُ الظهورَ معي في الصورة،
وبعْدَ عشرينَ عاماَ وأكثر،
أجلسُ، عريساً، كأنـَّـني خنـْتُ وقوفي،
وحولي مسافرونَ إلى بلدانٍ شتـَّى،
تهْـدرُ محرِّكاتُ طائراتهم أمام باب الصالة،
كأنـَّـني بيـْنَ سفرتين،
أختارُ وقتـاً خارجَ الأمكنة.
*
أوقظُ ملابسي
وأمتعتي،
وأنا مهدَّدٌ بآثامي التي
ترقدُ خلفً مرْتفعاتِ هذا الفجر،
لا شمـْسَ إلاَّ وسَحَرةٌ حرَّضوها عَلَىْ دفعي إلى الهاوية.
أنا محاربٌ ضائعٌ في تضاريس ظلامهِ الخالد،
أنا الرجلُ البعيد أضعُ أيـَّامي في الماء.
وأتعقـَّبُ روائحَ الغرْقـى وأخَلـِّدُ يأسَ اللصوصِ
وهمْ يتعثـَّرونَ بآثارهِم،
كأطفالٍ،
في أولمبيادِ الهروب من السَّماء،
بقواربَ في كتاب.
بينما الأرْضُ ليستْ أكيدةً
حـُفرَةٌ نساها اللهُ قبلَ أن يبـْرَحَ
طائراً إلى بيتِه في النقوش المـُرْتعشة.
*
وها أنا بعْدَ مُنتَصَفِ الليلِ،
أعودُ بزوجتي، إلى المنزل أيضاً،
وحيدين معَ الله العائد مِثلـَنا
مُتعقِّبين ثرثرةَ الأثر.
*
أنا كلكامش الهاربُ من ثأرِ الحَيَاْةِ
إلى حَيَاْةٍ غيـْر مُعنـْونة.
أنا محمدُ الغائبُ
أدخلُ المقهى ـ في ظهيرة الشبهات ـ بقمصان التشابيه.
أنا أميرٌ آشوريٌّ مدفونٌ، مع أسلحتي، في شرقِ دجلةَ
بينما يسافرُ رأسي إلى أستراليا!
أنا سعادةٌ مقصوصة الشَّعر وأعيادها طويلة وسوداء!
وها أنا أنظرُ في الهاوية،
أرمي بنردي
فرْصَةً أخيرةً لانبعاثِ الخسائر،
هازَّاً كتفيَّ من الضحكِ،
ومتكئاً عَلَىْ أحدٍ يحاول الظهورَ معي في الصورة.