إلى روح العلامة الجواهري - محمد مهدي الجواهري

حذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ
وفوقَ يميني يمينُ القَدَرْ

ومما يهوِّن وقَع الحِمام
أن ليس للمرء منه مفر

يُوَقِّعُ ما شاء عُودُ الزمان
ويبكي ويضحك منه الوتر

" فيومٌ علنا ويوم لنا
ويوم نُساء ويوم نُسر "

تعشقتُ من " عمرٍ " قوَلهُ
وكم حكمة في معاني عمر

أرى دهرنا مسرحاً كلُّنا
نروح ونغدو به كالصُّور

اقول وقد قيل جاء البريد
ينث اليك بهذا الخبر

عجِيب له كيف لم يوِهِه
فقالوا صدقتَ لهذا عثر

عَرَفت الكتاب بمضمونه
يُحَدّث : أن اليراع انكسر

خليليَّ ما انتما صانعان
بدمعٍ ترقرق ثم انحدر

تحير بين النُّهى والهوى
فهذا نَهاهُ وهذا أمر

هلُّما ننوح على دوحةٍ
ذوى الأصل منها وجفَّ الثمر

ولا ترغبا في اعتذار الزمان
متى زلَّ دهرُكُما فاعتذر

وهِّونَ من حُرقتي أن أرى
دَمَ الناس عند الليالي هدر

حَلَفْتُ لقد كنتَ عفَّ اللسان
وعف اليدين وعف النظر

جَنانُك لا تعتليه الشكوك
ونفسُك لا يزدهيها البَطَر

شباب مضى كنَتَ برّاً به
وشيخوخةٌ كنت فيها أبر

فلم تدر في صِغَر ما الصَّغار
ولم تدر ما الكِبْرُ عند الكِبَر

ونفسُك للنفع مخلوقة
فلو رُمت ، لم تدر كيف الضرر

لقد جلَّ خطبك عن أن يقاس
بما خلَّفته خُطوب أُخر

فتلك يُلامُ بها جازع
وهذا يلام به من صبر

بكيتُكَ للعلم مَحَّصْتَهُ
وابرزته نافعاً مختصر

كتاب ابيك ومن ذا يعيد
عليه ، وقد رحت عنه ، النظر

وللنفس تزهَد في عاجل
وترغب في الآجل المدخر

لفقد صيامك يبكي النهار
ويبكي لفقد القيام السحر

بكيتك للبيت عالي العماد
فخاراً نُعيِت اليه فَخَر

تعطَّل من حَلْيهِ جيدهُ
وعِقدُ الجواهر منه انتثر

رأيت من الناس ما دونه
يُفَلُ الحديد يُفَتُ الحجر

نُسيتَ لأنكَ رُمت الآله
وغيرُك رام الورى فاشتَهر

وعافتك دنياكَ إذ عِفتها
وما بك لو رُمتها من قِصَر

وأعظمُ ما جرّ خطب الزمان
ملائكةٌ تُبلى بالبشر

ثمَانينَ في الله قضيّيْتَها
ستُظْهر من فاز ممن خسر

على قدر ما اختلف الواردون
يكونَ اختلافهُمُ في الصَّدَر

ولو نَفَعتْ عِبرةٌ في الورى
لكانت حياتك أمَّ العبر

لقد كلمتك خطوب دهت
لو الصخرُ كابدهنَّ انفطر

شبابان كنا بلطفيهما
نباهي الخميلة أُمَّ الزهر

فقدتَهما لم يكن بين ذا
وذلك إلا كلمح البصر

أتعلم إذ شيعت نعشَه
لمن ذا تُشيِّع هذي الزمر

وهل عَرَف الموت إذ غاله
بما أيِّ عِلْقٍ نفيس ظفِر

ولو كنتَ تُرثى كما ينبغي
لكنت الجدير بأم السُّور

ولكن على قدْر ما أستطيعُ
أتيت أقابل طوداً بِذر

وما أنا إلا مُسئٌ أقر
وما أنت الا كريمٌ عذر

هو الحزن نَمَّ عليه البيان
أو الجمرُ نمَّ عليه الشرر

رأيت الهموم نَتاجَ الشعور
فلا يْفَرَحنَّ امرؤٌ عن شعر

ودونَ القصيد الذي تقرأون
اذا جاشت انفس وخزُ الابر

وما المرءُ إلا بآثاره
وذكرك بالخير نعم الأثر

أبا حسنٍ يا جواد النَّدى
اذا المَحْلُ عمَّ ، وصِنوَّ المطر

ويا نابغاً حينَ جَفَّ النُّبوغ
وضلت عن الفكر أهلُ الفكر

يَهشُّ لك السمع قبل العِيان
وتشتاقك البدو قبل الحضر

فلا تجزَعنْ ، نِعم عُقبى الفتى
تَحَّملُ ما لم يُطِقْ فاصْطَبر