يا بنت رسطاليس .. - محمد مهدي الجواهري

قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا
الناهضاتِ مع النُجومِ خوالدا

الشامخاتِ أنوُفهن إلى السما
والمطلعاتِ لفرقَدين فَراقدا

والفاتحاتِ على الخلودِ نوافذاً
والمجرياتِ مع الحياة روافدا

قم حيِّهنَّ ببعثِ شعب واثقاً
وَتَرضَّهُنَّ بخَلق جيلٍ جاهدا

جَلَّتْ بُنىً تَلدُ الرجال وقُدست
غُرفٌ تَبوَّأها الخلودُ مقاعدا

قم حييِّ هذي الموحيات صوامتاً
واستنطِقِ الحَجَرَ البليغ الجْامدا

واخلَعْ عليهنَّ المواهبَ تُجتلى
لا النثَرَ ، لا الشعرَ المعادَ ، قلائدا

يا بنتَ رسطاليسَ امُّكِ حرَّةٌ
تلد البنينَ فرائداً وخرائدا

وأبوكِ يحتضنُ السرير يَرُبُّها
ويقوتُها قلباً وذهنا حاشدا

مَشَتٍ القرونُ وما يزالُ كعهده
في أمسِ ، " مشاءً " يعودُ كما بدا

يستنزلُ الخَطراتِ من عَليائها
عُصْماً ويُدني العالمَ المتباعدا

لم يقتنصنْ جاهاً ولاسامَ النُهى
ذُلاً ، ولا اتخذَ الحريرَ وسائدا

جلَّ النُهى . الفكر أعظمُ عصمةً
من أنْ يُريدَ وصائفاً وولائدا

يا بنتَ رسطاليسَ قُصِّي نستمعْ
عن عاشِقيكِ أقارباً وأباعدا

عن واهبينَ حياتَهم ، ما استُعبِدوا
للشاكرين ، ولم يَذُموا الجْاحدا

والصاعدينَ إلى المشانق مثلما
ارتَقتِ النُّسورُ إلى السماءِ صواعدا

ومُحَرَّقين يُغازلون وَقودَها
شوقاً إليكِ ويَحمَدون الواقدا

والمُسمَلات عُيونُهم ، وكأنهم
بطيُوف شخصك يكحلون مراودا

قُصِّي فَدَيتُك من لَعوب غَضةٍِ
تَصِفُ القُرونَ مَخابراً ومَشاهداً

إني وَجدْتُ – وللشبابِ حدودهُ -
أشهى بناتِ الفكر أقصاها مَدى

فتخلّعي نجدِ الفُهومَ عَوارِياً
وتَبَسمي نجد الفُنونَ نضائدا

وتطلَّبي نُزْجِ النفوسَ عزيزةً
هَدياً وننتظمُ القُلوبَ قصائدا

يا بنت رسطاليس لُحتِ " بواسط "
فَنزَلت " حيّاً " بالصبابة حاشدا

خصبَ الشُعور ستَحَمدين مولَّهاً
من أهله ، ومُغازلاً ، ومُراوِدا

إيهٍ " بلاسمُ " والمفاخرُ جَمةٌ
أحرزتَ مَنهُنَّ الطريفَ التالدا

أحرزتَ مجداً ليس ينفدَ ذكرهُ
طولَ المدى وبذلتَ كنزاً نافِدا

ذكرٌ يظَلُّ بكل خطوٍ يرتَمي
للصف ، او جرَسٍ يُدقُّ معاودا

خَبِّرْ فقد جُبتَ الحياةَ رخيَّةً
خضراء َ ، لم تكذِبْ لعينك رائدا

وحَلبتَ من غَفلات دهرِك شطرَها
وَقنَصتَ من مُتع النَعيم الشاردا

وانسَبْتَ في غُدرُ اللذائذ خائضاً
وخَبَرتَهن مصادِراً ومَواردا

أعرَفْتَ كالأثر المخلَّدِ لذةً
جازَتْ مخَلِّدها ، فكان الخالدا

لله درُّك من كريمٍ أنعَشَت
كفّاهُ روحاً من نبوغ هامدا

نَفَّقتَ من عَذَبات صبيان الحِمى
عِلْقاً بمُنعَرج الأزقةِ كاسدا

إني وَجدتُ مواهباً مطمورةً
كالزراع أينعَ لمُ يصادفْ حاصدا

ولربَّ أشعثَ لأغبرٍ ذي هامة
تُلقي على كَتَفيهِ ثقلاَ آيدا

ألوى به فَقرٌ فنكَّب خطوَة
جَهلٌ فزلَّ عن الفضيلةِ حائدا

قد راحَ يبعَثُ بالتعاسةِ راحماً
قد كان لولا ذاكَ يرجِعُ حاسدا

قُتِلَ العُقوقُ ، فكم قَتَلنا نابغاً
بين البُيوتِ ، وكم وأدنا قائدا

اولاء حمدُك عاقِباً عن عاقبٍ
أتريدُ احسنَ من اولئك حامدا

سيقولُ عنك الدهرُ : ثَمَةَ ماجدٌ
في الرافدين شأى الكريم الماجدا

هل غيرُ أن رُمتَ الثناء كما ادعي
نَفَرٌ ، وأن أنْبَهتَ ذكرَكَ عامدا

مجداً على مجد ، فتلكَ طَماحةٌ
يمشي عليها المجدُ نحوكَ قاصدا

كذَبوا فان الأكرمينَ طرائدٌ
للمَكْرُماتِ وإنُ حسِبنَ طرائدا

وإذا صدقتُ فللخلودِ مصايدٌ
أبداً تَلَقَّفُ من أتاه صائدا

يمشي الكريمُ مع التكرُّم توأماً
صنوٌ يسددُ خطوَ صنوٍ عائدا

حتى إذا بلغَ الجميلُ أشُدَّه
سارَ الكريمُ إلى المكارم فاردا

ما كان باللُغزِ الخلودُ وإنما
كان النفوسَ نوازلاً و صواعدا

هل غيرُ آلافٍ تروحُ كما اغتدت
بيَدى سواكَ طرائقاً وبدائدا

تغدو إلى مطمورةٍ ، إن لم تَرُحْ
للهوِ دوراً ، والقِمارِ موائدا

احييتَهُنَّ فكانَ عدلاً ناطقاً
هذا الجمادُ على سمِّكَ شاهدا

وضممتَهُنَّ لبعضِهنَّ مجْهِّزاً
جيشاً ترُدُّ به الوَباءَ الوافدا

الجهلَ : اكرمُ ذائدٍ عن موطنٍ
من راحَ فيه عن الجهالةِ ذائدا

أعطيتَ حقَّ العلمِ أوفاها ندى
ومدَدتَ للتعليم أزكاها يَدا

فاعطِ المعلمَ يا " بلاسمُ " حقهُ
واعضُدْ فقد عَدِمَ المعلمُ عاضداً

لو جازَ للحر السُجودُ تعبًّداً
لوُجدتُ عبداً للمعلِّم ساجدا

للمُتعَب المجهودِ في يَقظاتِهِ
والمرَتعي طيفَ المتاعبِ هاجدا

والمثُخنِ المجهولِ لم يَنشُد يداً
تأسوا الجْراحَ ولا تَطلَّب ناشدا

والمستبيحِ عُصارةً من ذهنِهِ
يغذو الألوفَ بها ، ويُحسبُ واحدا

قل للمعلم راجياً، لا راشداً
كن للشبيبةِ في المزالقِ راشدا

يا خالقَ الأجيالِ أبدِِعْ خَلْقَها
وتَوَّق بالإبداع جيلاً ناقدا

سيقولُ عهدٌ مقبلُ عن حاضرٍ
نُشوى عليه : لُعنتَ عهداً بائدا

ولسوفَ يبرأ عاقبٌ عن أهلهِ
ولسوفَ يَتَّهِمُ البنونَ الوالدا

قل للشبيبة حينَ يعصِفُ عاصف
ألا يَظلُّوا كالنسيمِ رواكدا

وإذا اغتَلَتْ فينا مراجلُ نقمةٍ
ألا يكونوا زمهريراً باردا

هيِّئ لنا نشءاً كما انصَبَّ الحيا
لُطفاً ، ونشءاَ كالزلازل راعدا

فلقد رأيتُ اللهَ يخلُق رحمةً
مَلَكاً ، ويخلُقُ للتمردِ ماردا

ومحمداً ما إنْ أهابَ بجيشهِ
يطأ البلادَ روابياً و فدافدا

ويكُبُّ جباراً ، ويُعلي مُدقعاً
ويُنيرُ خابطةً ، ويُنهضُ راقدا

لو لم يعبّئ للقيادةِ ثائِراً
حَنِقأً على نُظُمٍٍ بَلينَ وحاردا

ما إن يروحُ مع الضعيف مُطاوعاً
من لا يروحُ على القويِّ معاندا

وأذلُّ خلقِ اللهِ في بَلَدٍ طغت
فيه الرزايا من يكونُ محايدا

نشءٌ يقوِّمُ من زمانٍ فاسدٍ
لا كالزمانِ يكونُ خَلْقاً فاسدا

عُلِّمْتُمُ فُرْضَ الحسابِ فأنتُمُ
أدرى بِهنَّ فوائداً وعوائدا

ما إن تُعجِّلُ جيلٍ ناقصاً
إلاّ تحمَّلَ من عناءِ زائدا

أطلِقْ يدَ التحليل في تاريخهم
حراً ، وفكَّ من العِقال أوابدا

لابُدَّ من فَهم الحياةِ مَعايباً
ومفاخِراً ، ولذائذاً ، وشدائدا

جنباً إلى جنبٍ يُتمِّمُ بعضها
بعضاً كما انتظَم الجُمانُ فرائدا

علِّمْهُ حُبَّ الثائرين من الورى
طُرّاً ، وحُبَّ المخلصينَ عقائدا

واجْلُ الشٌّعوبَ كرائماً لا تَنتَقِصْ
شعباً ، ولا تَقحَمْ عليه شواهدا

واجلُبْ له أمسٍ البعيدَ مَراجِعاً
وألِحْ له أمسِ القريبَ مساندا

أرِه لثورته عِظامَ جماجمٍ
وابعَثْ له زنداً أطنَّ وساعدا

وإذا تقصَّاكَ الدليلُ مسائلاً
عن أيّ شيءٍ أعقَبَتْ ومناشدا

فابعثْ له الاشباحَ يشهدْ عندَها
ما يستفِّز مًطالعاً ومُشاهدا

يشهدْ خيالاً عارياً ومُجَوَّعاً
من أهلهم ومُضايقاً ومُطارَدا

أصِلحْ بنهجِك منهجاً مُستعبداً
صُنعَ الغريبِ ، على الثقافةِ حاقدا

قالوا : قواعدُ يبتنيها غاضبٌ
وسْطَ العراق على الكرامةِ قاعدا

تحتلُّ منه مشارفاً ومَناهلاً
وتَسدُّ منه مسالكاً و منافذا

ساقَتْ جُيوشَ الموبقاتِ حواشداً
للرافدين مع الجيوشِ حواشدا

ما كان أهونَ خطبَهُ مستعمراً
لو لم يُقِمْ وسْط العقولِ قواعد