إلى الباجة جي " في نكبته"!.. - محمد مهدي الجواهري

ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ
من الله أن يَبْقى لهنَّ " مُزاحمُ "

فتى الدولةِ الغراءِ تَعْلَمُ أنَّهُ
عليها إذا نام الخليوّنَ قائم

وذو الحكْمِ مرهوباً على المُلكِ ساهرٌ
وفيما يصونُ الحكْمَ والمُلْكَ حازم

وذو الخُلُقِ الضّافي يَخالُ مرّفهاً
وفي الصدر أمواجُ الأسى تتلاطم

يَبِيتُ على شوكِ القَتادَ وَينْطوي
على مَضَضِ حتى تُرَدَّ المظالم

عليمٌ بآدابِ السياسةِ تَنْجلي
لِفِطْنَتِهَ أسرارُها والطلاسم

ضمينٌ إذا ما الجوُّ غامَ بطاريءٍ
جليلٍ ؛ بأن تَنْزاحَ عنه الغمائم

على وجهِهِ سِيماءُ أصيدَ أشوسٍ
وفيه من النفس الطَّموحِ علائم

جَهيرٌ يرى الأقوامُ عندَ احتدامِهِ
إذا أغضبوهُ كيْفَ تدأى الضَراغم

وفي العنفِ فَهوّ الأبْلَقُ الفرد مَنْعَةً
وفي اللِّينِ فهو المصحبُ المتفاهم

لقد مارس الأيامَ ذو خبرةٍ بها
ذكيٌّ لحالاتِ الزمان ِ مُلائم

وما هو إن خيرٌ تحداهُ طائشٌ
ولا هو إن خيرٌ تعدّاهُ نادم

ومرتقبٌ للشرِ والشرُّ غائبٌ
و مسْتَحْقِرٌ للشرّ والشرُّ قادم

على ثقةٍ أنَّ الحياةَ تَراوُحٌ
نسائمُها جوّالةٌ والسمائم

وماشٍ إلى قلبِ الحقودِ بِحيلةٍ
يُداوي بها حتى تُسَلَّ السّخائم

وقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُزاحماً
من الشعبِ مخدومٌ وللشّعبِ خادم

ولما اعتلى دَسْتَ الوزارة وُطّدَتْ
بهمتِهِ آساسُها والدعائم

عفيفُ يدٍ لا يَحْسَبُ الحُكمَ مَغْنّما
ولو شاء لم تَعْسُر عليه المغانم

ترفعَّ عن طرْقِ الدنايا فمالَه
سوى المجدِ والقلبِ الجريءِ سلالم

لقد سرّني أنَّ الزّمانَ الذي سطا
عليكَ بحربٍ عاد وَهْوَ مُسالم

وأن ظروفاً ضايَقَتْكَ عوابساً
أتتك تُرَجِّي العفْوَ وَهْيَ بواسم

وقد أيقَنَتْ إذ قاوَمَتْكَ كوارثٌ
بأنَّكَ لا تُسطاعُ حينَ تُقاوم

وَجَدْتُك خشن المسّ تأبى انحلالةً
وتَنْحَلُّ في البلوى الجلودُ النواعم

تلقيت يَقْظانَ الفؤادِ حوادثاً
يُرَوَّعُ منها في التَّخَيُّلِ حالم

وقد كنتَ نادَمْتَ الكثيرَ فلم تَجد
على حينَ عَضَّتْ كُرْبةٌ مَنْ تُنادِم

وقد كانتِ الزلفى إليكَ تَزاحُماً
فأصْبَحَ في الزُّلفْى عليكَ التزاحُمُ

ولم تُلْفِ لما استيقظ الخطبُ واحداً
من َ المانحيكَ الوُدَّ والخَطْبُ نائم

وأنت عَضَدْتَ الملك يَومَ بدا له
يُهدِّدُهُ قَرْنٌ من الشرّ ناجم

تكفَّلْتَهُ مُسْتَعْصِماً بك لائذاً
وليس له إلاكَ واللهُ عاصم

ولم أرَ أقوى منكَ جأشاً وقد عدَتْ
عليكَ العوادي جمةً تتراكم

وأُفرِدتَ مِثْل السيفِ لا مِنْ مُساعِدٍ
سوى ثِقةٍ بالنفس أنَّكَ صارم

ولمّا أبَىَ إلا التَّبلُّجَ ناصعٌ
من الحق لم تقدِرْ عليهِ النمائم

ولم يجدِ الواشون للكيدِ مَطْمَعاً
لديكَ ولم يَخْدِشْ مساعيك واصم

خرجْتَ خروجَ البدر غطَّتْ غمامةٌ
عليه وسرُّ المجدِ أنَّكَ سالم

فللتُرْبِ أفواهٌ رمتْكَ بباطلٍ
ولا سَلِمَتْ أشداقُها والغلاصم

وحُوشيِتَ عن أيّ اجترامٍ وإنّما
تُدَبَّرُ من خَلْفِ الستارِ الجرائم

وصَقْرٍ تحامَتْهُ الصقورُ وراعها
من النظر الغضبانِ موتٌ مُداهم

لقد أحكمت منه الخوافي خؤولةً
ومتت إلى الأعمام منه القوادم

فتى " الحلةِ " الفَيْحاءِ شَدَّتْ عُروقَهُ
بناتُ الفراتِ المنجِباتُ الكرائم

فجئن بأوفى من تُحلُّ له الحُبا
وأمتنَ مَنْ شُدَّتْ عليهِ الحيازم

وطيد الحجى لم تستجدّ له الرُّقَى
صغيراً ولم تَعْلَقْ عليه التمائم

وداهية أعلى العراقَ بمجلسٍ
تصافِحُهُ فيه دُهاةٌ أعاظم

يمثل شعباً يستعدُّ لنهضةٍ
يُرَدُّ عليها مجدُهُ المتقادم

وألطفُ ميزاتِ السياسيِّ أنّه
أديبٌ بأسرارِ البلاغةِ عالم

يؤّيدهُ ذهْنٌ خصيبٌ ومنطقٌ
متينٌ كهُدابِ الدِمَقْسِ وناعم

ورنانةٍ في المحْفِلِ الضَّخْمِ فذّةٍ
تَناقَلُها عن أصغريهِ التراجم

بعيدة مرمى مستفيضٍ بيانُها
يجيْ بها عفواً فتَدْوي العواصم

ومحتملٍ للحقِ مستأنسٍ به
يُرَجّيهِ مظلومٌ ويَخشَاهُ ظالم

يَسُدُّ طريقَ الخَصْمِ حتى يردَّهُ
إلى واضحٍ منْ حُكمِهِ وَهْوَ راغم

وقد أرضت المظلوم والظلمُ مُغْضَبٌ
مواقِفُهُ المستعلياتُ الحواسم

وإنَّ بلاداً أنجبتْكَ سعيدةٌ
وشعباً تَسامَى عِزُّهُ بك غانم