وداع... - محمد مهدي الجواهري

"أنيتُ " نزَلنا بوادي السِباعْ
بوادٍ يُذيبُ حِديدَ الصِراع
يُعَيِّرُ فيه الجبانُ الشُجاع
" أنيتُ " لقد حانَ يومُ الوداع
إليَّ إليَّ حبيبي " أنيتْ "
إليَّ إليَّ بجيدٍ وليت
كأنَّ عُروقَهما النافِرات
خُطوطٌ مِن الكلِم الساحِرات
إليَّ بذاكَ الجبينِ الصَلِيتْ
تخافَقَ عنْ جانبيهِ الشَعَرْ
يبُثُّ إليَّ أريجَ الزَهَر
سيَعبِقُ في خاطري ما حيَيِتْ
ويُذكِرُني صَبوتي لو نَسيِت
إليَّ إليَّ حَبيبي " أنيتْ "
إليَّ إليَّ بذلكَ الذّراعْ
أبضَّ تفايَضُ مِنهُ الشُعاع
أطِلَّي عليَّ بهِ كالشِراع
فقد لَفحَتني سَمومُ العِراقْ
فألهينَ مِنَّيَ جُرحَ الفِراق
إليَّ إليَّ به للعِناق
لغيرِ العِناقِ الذي تَعرِفينْ
بحيثُ يلُزُّ الوتينُ الوتين
عَشِيَّةَ أهتِفُ أو تهتِفين
لنجمِ القَضا ، ولسَهمِ القَدَرْ
وللمُستَقِرِّ بذاكَ المَقَرّ !!!
بأنْ لا يُميِّلَ هذا السَّفينْ
إلى حيثُ أرهَبُ ، أو تَرَهبين
إلى وَحَلٍ من دُموعٍ وطين
إليَّ بصدِركِ ذاكَ الخِضمّ
مِن العاطفاتِ العُجابِ الشِيَمّ
مِن العاصفاتِ بلحمٍ " وَدَمّ "
تُلَوِّنُ وجهَكِ في كلِّ آنْ
بما لم تُلَوَّنْ فُصولُ الزّمان
أحاسيسُ تُعرِبُ عن كلِّ شان
كأنَّ وُجوهاً عِداداً لديكِ
تَرِفُّ ظِلالاً على مُقلَتيك
كأنَّكِ تُلقِينَ من عاتِقيك
بتلكَ الظِلالِ القِباحِ الِلطافْ
وأشباحِهنَّ السِّمانِ العِجاف
عناءَ الضميرِ ، وثِقْلَ السِنين
وجهلَ المصيرِ ، ، وعِلْمَ اليقين :
بلُطفِ الحياةِ
وجُهدِ الظّنين :
بساعاتِها أنّ يروحَ الحِمامْ
إلى الصمتِ ، يدفعُها والظَلام
إليَّ إليَّ حبيبي " أنيتْ "
إليَّ بنبعِ الحياةِ المُميتْ
إليَّ بذاكَ النظيمِ الشّتيت
بثغركِ ذاكَ العبوسِ الطروبْ
يَرفُّ إذا ما علاهُ الشُّحوب
كأنِّيَ أقرأ " سِفرَ " الغُيوب
على شفَتيكِ ، و " سِرَّ " الخفايا
كأنِّيَ أسمعُ عتبَ الذَّنوب
عليكِ ، ووقعَ دبيبِ الرزايا
كأنِّيَ أشربُ كأسَ الخطايا
وسؤرَ دمٍ مُهدَرٍ مِن سِوايا
كأنّيَ أمضُغُ لحمَ الضّحايا
تناثَرُ مِن بينِ تلكَ الثّنايا
كأنَّ الزفيرَ بنفحِ الطُّيوبْ
إذا امتَزجا يَكشِفانِ النّوايا
ويَستصْرِخانِ أثيماً يتوبْ :
على ما تَجَرَّمهُ مِن منايا
إليَّ هواني ، إليَّ هوايا
إليَّ المُنى تُشتَرى بالمنايا
إليَّ إليَّ بتلك البقايا
مِن المُسأراتِ بتلكَ الجُيوبْ
إليَّ بصَفوِ النعيمِ المَشوب
بلَفح أُوارِ الجحيمِ الشَّبوب
إليَّ إليَّ أغيثي ظمايا
فقد نالَ مِن شفتيَّ اللُغوبْ