ليت الذي بك في وقع النوائب بي ! - محمد مهدي الجواهري

ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ

صابتْ حشاك ، وأخْطَتْني ، نوافذُها
ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب

هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته
لغيره أو تعدى النبعَ للغَربَب

هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً
للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب

يا غائبا؟ً لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً
عن العلى معه غابت ولم تؤب

لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه
يا خير منقلبٍ في خير منقَلب

نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ
ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب

وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به
بيين الرجال وبين الله من سبب

قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها
من التقى مسرحاً في مرتع خصِب

قالوا : الزيارةُ فاتته ، فقلتُ لهم :
ما فاته ان يزورَ اللهَ في رجب

كأن نعشَك ، والاجواءُ غائمةٌ ،
تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب

لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا
" سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب

كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم
كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب

كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه
وما درى أن فيهأعجبَ العجب

بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ
إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب

لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم
فان أعظم منها همةُ النُّوَب

لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً
يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب

أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به
على سواهن تِيه الخُرَّدِ العُرُب

فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ
فَقْدَنهُ ، وثغورَ الفضل في شَنَبَ

صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ
قد كان في هذه الأيام في تعب

تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ
أجدى له من داء الويل والحرَب

والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ
به فأحسنُ منه صبرُ محتسب

وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ
قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب

ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً
فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ

شيئانِ ، يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا
نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب

ماذا يقول لسان الشعر في رجل
خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب

إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ
يحييك ذكراً ، وذكر المرء في العقب

اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه
" محمد " وبشانيه " أبالهب "

لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً
يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب

وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح
كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب

انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ
كأنه – وهو دامي القلب – في طرب

أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا
" كناية بهما عن اشراف النسب "

كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت
وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي

لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه
كذاك كان على العلات وهو صبي

ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد
سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي

تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة "
للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب

ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم
قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب

كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً
حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب

طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً
يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب

فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ
في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "