ليالي الفرات - مصطفى جمال الدين

ياليل أين أحبتي ورفاقي ؟
خلت الكؤوس فأين ولى الســـاقي

أحبابنا عودوا فثمة سامر
نشوان من خمر السنى المِــهراق

فالليلة القمراء أكؤس فضةٍ
سكبت بهن عصارة الإشـــراق

والانجم الزهراء سامر فتيةٍ
ميل الرؤوس رخية الأعنـــاق

شربوا كؤوسهم ومذ طاش الحجى
سكبوا على الدنيا السلاف البـــاقي

والبدر لو تدرون فهو عاشق
سلبت قواه نواعس الأحـــداق

سالت مدامعه فقيل أشعة
وذوى فقيل تأهب لِمُحـــاقِ

و النهر جن فلم تفده رقية
و طغى فأسقط في يمين الـــراقي

يجري.. ومذ هفت الغصون للثمه
أجرى مدامعه على الآمـــاقِ

ولقد يهيج الصب فرط سروره
فتجود أدمعه بيوم تـَـــلاقِ

يا ليل والنهر استفاض نميره
عذبا ففاضت بالأجاج مـــآقي

وطغت على آذيه صور الغنى
فطغت بقلبي صورة الإمــــلاقِ

النهر يفخر أن سيحيي عذبه
ميت القفار ومجدب الآفــــاقِ

وإذا تهللت(الشامٌ) لفيضه
نبع الرُواءُ بوجهِ كلٌ عِــــراقي

فلسوف يُنِعشُ أنفسـا ً ملتاعة
ويُقيمُ رأسا جدَ بالإطــــراقِ

وينيرُ حِالِكَةَ البيوتِ أذا دجا
ليل القنوط وهامد الأســــواقِ

أما أنا فبأي فخر وأرتجي
أن سوف يحيي ميت الأخــــلاقِ

وهل القوافي غير بائر سلعةٍ
كسدت بسوق غير ذات نِفــــاقِ

لو كان يهدي التائهين سبيلها
لهدى (الرضى) به أبا إسحــــاقِ

ياليل نامَ الفجر عنك فليتها
سِنَة الحمام وليت عمرك بــــاقِ

ماالفجر؟! .. ماالصبحُ المنور. إنما
فجري روائعُ نهركَ الرِقــــراقِ

بزغت نجومك من مرايا مائهِ
كالغيد تبدو من خــــلال رواقِ

وسمعت من أمواجه وخريرهِ
لغة العتاب ولهجة الأشــــواقِ

وأذا رأيت الموج عانق بعضه
قلت: استقام الحظ للعشــــاقِ

حتى إذا سجت الرياح وأطلعت
فيه بقايا الموج بيض تراقــــي

وَبَدَتْ على الأفلاكِ آثارُ السرى
فغفت كواكبها من الإرهــــاقِ

وارتعت من حذر الصباح وفتكه
لما سمعت خطاه في الآفــــاقِ

أيقنت أنك ياحبيب مفارقي
فهجرت نخلا كن فيك رفــاقــي

وطويت من وحي الضفاف صحائفا
كنٌ الكؤوس وكنتَ انت الســــاقي