بكائية على صدر الوطن - مظفر النواب

الحركة الثانية
في تلك الساعة .. حيث تكون الروضة فحل حمام
في جبل مهجور
وأضم جناحي الناريين على تلك الأحذية السرية
واريح التفاح الوحشي
يعض كذئب ممتلىء باللذة
كنت اجوب الحزن البشري .. الأعمى
كالسرطان البحري
كأني في وجدي الأزلي
محيط يحلم آلاف الأعوام
ويرمي الأصداف على الساحل
كم اخجلني من نفسي هذا الهذيان المسرف
بالوجع الأمي
كأني أتنبأ بذور اللذة مدت ألسنة خضراء
وشفرات في رحم الكون
وأعطت جملا أبدية
مولاي لقد عاد حمام الجبل المهجور
يمارس عادته النهرية
هل تعرف عادته النهرية؟
أما أنت فأصحرت وعرفتك لا تنوي الرجعة !!
أصحرت بلا أي علامات وبلا أي صور
وعرفتك لا تنوي الرجعة
فالقلب تعلم غربته .. وتعلم بالبرق
تعلم ألا ينضج كل النضج
فيسقط بالطعم الحلو .. و يسقط في الطعم الحلو
وأرق وامتنع النوم علي لأبواق أزلية
عرف المفتاح الكامن في القفل
وما يربطه بالقفل الكامن بالمفتاح
فباحت كل الأشياء
وتضجر قلبي بالأنباء
يا هذا البدوي المسرف بالهجرات
لقد ثقل الداء
قتر ربقك لليل
فلابد لهذا الليل دليل
يعرف درب الآبار
ويقبع بالحذو الناقة بالصحراء
يا هذا البدوي تزود وأشرب ما شئت
فهذا آخر عهدك بالماء
من مخبر روحي أن تطفأ فانوس العشق
وتغلق هذا الشباك
فإن الليل تعرى كالطفل
وان مسافات خضراء احترقت في الوعي
فأوقدت ثقابا أزرقا
في تلك النيران الخضراء
لعل النار أرى
ولعل اللحظة تعرفني
من ذلك يأتي
بين عواء النفس و بين عواء الذئب
وبين غروب النخل يرافقني نصف الدرب
وبعد النصف يقول يرافقني
ناديت بكلتا أذني .. فأوقفت مجاهيل الصحراء
وعيني في الطين
أعدل من قدمي الملوبة
و الأضواء افترستني
أمسكت على الطين لأعرف أين أنا
في آخر ساعات العمر
رفعت الطين الى الرب
بهذا الدين .. تقترب اليه
فأطرد عاطفتيه
وكانت قبضته تشتعل الآن بنيران سوداء
وكان المطر الآن صباحا
وانطبقت كل الأبعاد
وصرت كأني صفر في الريح
وصلت الى باب النخل .. دخلت على النخل
أعطتني احدى النخلات نسيجا عربيا
فعرفت بأن النخلة عرفتني
وعرفت بان النخلة في عربستان أنتظرتني
قبل الله
لتسأل ان كان الزمن المغبر غيرها
قلت .. حزنت
فأطبق صمت وبكى النخل
وكانت سفن في آخر شط العرب
احتفلت بوصولي
ودعني النوتي وكان تنوخيا تتوجع فيه اللكنة
قال الى أين الهجرة
فارتبك الخزرج .. و الأوس بقلبي
ومسحت التلقيط من الحبس
لئلا يقرأني الدرب
وسيطر قنطار وعاش الصبح
فجاء الله الى الحلم
وجاء حسين الأهوازي يفتش عن دعوته
جاء النخل .. وجاء التعذيب .. وجاءت قدمي الملوية
جف الطين عليها
في البرد .. وزاغ الجرح
وطارت في عتمات القلب
فراشات حمراء .. و أشجار الحزبية
قد شحنت بالحزن و بالنار
نزلت الى ذاتي في بطء
آلمني الجرح .. مددت بساقي
خرجت قدمي كالرعب من الحلم
وكان الابهام هي عين عمياء
تشم برودة ماء (الكارون)
وهذا أول نهر عربي في قائمة المصروفات
وشم الذئب الشاهنشاهي دمي
شم الذئب دمي .. سال لعاب الذئب على قدمي .. ركضت
قدمي
ركض البستان
وكان الرب أصغر برعم ورد
ناديت عليه فذقت الكر كمركض الرب .. الدرب .. النخل .. الطين
و أبواب صفيح تشبه حلم فقير
فتحت ووجدت فوانيس الفلاحين
تعين على الموت حصان يحتضر
عيناه تضيئان بضوء خافت فوق ألوف الفلاحين
وتنطفآن وينشج
لو مات على اليح
وبين لفيف الضوء البري
لكان الشعب سيحتضر
غطى شعب الفلاحين فوانيس الليل
برايات تعبق بالثورات المنسية
فاستيقظت الخيل .. وروحي
كالدرع ائتلقت وعلى جسر البرق
صرخت الهي هؤلاء الفلاحين كم انتظروا
علمهم ذاك حسين الأهوزي من القرن الرابع للهجرة
علمهم علم الشعب على ضوء الظلمة
كان حسين الأهوازي بوجه لا يتقن الا الجرعة
و النشوة بالأرض
وقال انتشروا فانتشروا
كسروا الأنهار كسورا مؤلمة برضاها
كسروا ساقيتين
أشاعوا الظلمة و الأرحال
وراء النخلة وانتشروا
لفوا جسدي بدثار زركش بالطير
أورثهم أياه حفاة الزنج
فقلت لهم لقد علمهم ذاك حسين الأهوازي
عشية يوم في القرن الرابع للهجري
كيف نسينا التاريخ ؟
دخان .. أمل أطلق فلاح في أقصى الحنطة نارا
فانقضت كل وطاويط الشاه هناك
وكانت قدمي الملوية قد تركت
بقع خضراء من الدم المخلص
واستجوبت الأشجار فلم ينطق حجر
كيف نسينا التاريخ ؟
وكيف نسينا المستقبل ؟
كان القرن الرابع للهجرة فلاحا
يطلق في أقصى الحنطة نارا
تلك شيوعية هذي الأرض
وكان الله معي يمسح عن قدمي الطين فقلت له
اشهد اني من بعض شيوعية هذي الأرض
ودب بجسمي الخدر
وغفوت وكان الفلاحين يردون غطائي فوقي
في العاشر من نيسان تفرد عشقي
أتقنت تعاليم الأهوازي
ووجدت النخلة .. والله .. وفلاحا
يفتح نار الثورة في حقل الفجر
تكامل عشقي
ما عدت أطيق تعاليم المخصيين
تفردت .. نشرت جناحي
في فجر حدوث
ووقفت أمام القرن الرابع للهجرة
تلميذا في الصف الأول
يحمل دفتره .. يفترش الأرض .. يعرف كيف تكلم عيسى في المهد
فإن الثورة تحكي في المهد
ويسمع صوت السبل النارية تبدأ بالخلق
اللهم ابتدئ التخريب الآن
فإن خرابا بالحق .. بناء بالحق
وهذا زمن لا يشبه إلا القرن الرابع للهجرة
او ما سمي كفرا .. زندقة .. او أدرج بالفتن
في طهران وقفت امام الغول
تناوبني بالسوط .. و بالأحذية الضخمة عشرة جلادين
وكان كبير الجلادين له عينان
كبيتي نمل أبيض مطفأتين
وشعر خنازير ينبت من منخاريه
وفي شفتيه مخاط من كلمات كان يقطرها في أذني
ويسألني:من أنت؟
خجلت أقول له :
"قاومت الإستعمار فشردني وطني"
غامت عيناي من التعذيب
رأيت النخلة .. ذات النخلة
والنهر المتشدق بالله على الأهواز
وأصبح شط العرب الآن قريبا مني
والله كذلك كان هنا
واحتشد الفلاحون علي وبينهم كان
علي .. وأبو ذر .. والأهوازي .. ولوممبا .. وجيفارا .. وماركس
لا أتذكر فالثوار لهم وجه واحد في روحي
غامت عيناي من التعذيب
تشقق لحمي تحت السوط
فحط علي رأسي في حجريه
وقال : تحمل فتحملت
وجاء الشعب فقال : تحمل فتحملت
و النخلة قالت .. و الأنهر قالت
فتحملت وشق الجمع
وهبت نسمات لا أعرف كيف أفيق عليها
بين الغيبوبة والصحوة
تماوج وجه فلسطين
فهذي المتكبرة الثاكل
تحضر حين يعذب أي غريب
أسندني الصبر المعجز في عينيها
فنهضت .. وقفت أمام الجلاد
بصقت عليه من الأنف الى القدمين
فقدت رأسي ثانية بالأرض
وجيء بكرسيّ حفرت هوة رعب فيه
ومزقت الأثواب عليّ
ابتسم الجلاد كأن عناكب قد هربت
أمسكني من كتفي وقال
على هذا الكرسيّ خصينا بضع رفاق
فاعترف الآن
اعترف
اعترف
اعترف الآن
عرقت .. وأحسست بأوجاع في كل مكان من جسدي
اعترف الآن
وأحسست بأوجاع في الحائط
أوجاع في الغابات وفي الأنهار ، وفي الإنسان الأول
أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان
توجهت الى المطلق في ثقة
كان أبوذرّ خلف زجاج الشباك المقفل
يزرع في شجاعته فرفضت
رفضت
وكانت أمي واقفة أمام الشعب بصمت...فرفضت
إعترف الآن
إعترف الآن
رفضت
وأطبقت فمي ,
فالشعب أمانة
في عنق الثوؤي
رفضت
تقلص وجه الجلادين
وقالوا في صوت أجوف :
نترك الليلة...
راجع نفسك
أدركت اللعبة
في اليوم التاسع كفوا عن تعذيبي
تزعوا القيد فجاء اللحم مع القبد,
أرادوا أن أتعهد ,
أن لا أتسلل ثانية للأهوز
صعد النخل بقلبي...
صعدت إحدى النخلات ,
بعيدا أعلى من كل النخلات
تسند قلبي فوق السعف كغذق
من يصل القلب الآن!؟
قدمي في السجن
وقلبي بين عذوق النخل
وقلت بقلبي : إياك
فللشاعر ألف جواز في الشعر
ألف جواز أن ستسلل للأهواز
يا قلبي ! عشق الأرض جواز
وأبو ذر وحسين الأهوزي ,
وأمي والشيب من الدوران ورائي
من سجن الشاه إلى سجن الصحراء
إلى المنفى الربذي , جوازي
وهناك مسافة وعي ,
بين دخول الطبل على العمق
السمفوني
وبين خوج الطبل الساذج في الجاز
وقفت وكنت من اللّه قريبا....
**********