العودة إلى المعبد - نازك الملائكة

معبدي , عادت بي الأحزان فارأف بي
عدت يا ليتك تدري بعض آلامي وما بي
عدت والقلب شريد تائه بين الضباب
يتلوّى في إسار من حنيني واكتآبي
ذهب الأمس بأوهام فؤادي ومحاها
فإذا قلبي عبد ولقد كان إلها
آه فارأف بفتاة حطّم الدهر مناها
وأفاقت ليهدّ الحزن واليأس قواها
معبدي , إفتح لقلبي الباب , قد طال وقوفي
أنا من مات ربيعي في أعاصير الخريف
جئت ألقي بين كفّيك أسى قلبي اللهيف
علني أحظى بظلّ في مجاليك وريف
عدت , يا معبد , للصمت , فلن أشدو بحبّي
لم يعد قلبي يهفو فلقد ودّعت قلبي
حسبي الآن وجومي وكآباتي حسبي
حسب روحي نار إحساسي وأهاتي ورعبي
أسفا , كيف ذوى حبّي ولحني ورجائي ؟
ليتني كنت تناسيت , فلم أرع وفائي
ليت حبّي لم يعلّمني أغاريد السماء
ليته خلّفني في الأرض بين الأشقياء
رحمة , ماذا تراني أفعل الآن بفنّي ؟
هي ذي آلهة الشعر فهل تمسح حزني ؟
هو ذا العود فهل يسعد روحي أن أغنّي ؟
رحمة بي , ما الذي قد أبقت الأحزان منّي ؟
أين أمسي , وهو أحلام وألحان ولهو ؟
أين أيامي غذ قلبي من الأشواق خلو ؟
ما الذي أبقى لي الحبّ ؟ أجسمي , وهو نضو ؟
وفؤادي , وهو أوصال ؟ وروحي , وهو شلو ؟
إدفن الأحلام , يا قلبي الخياليّ المحطّم
واستفق من قبل أن ينطفىء الحلم فتندم
ما الذي أغراك بالحبّ ؟ ومن أوحى وألهم؟
عجبا , كيف ترى الشرّ بعينيك وتحلم ؟
إستفق من حلمك الشعريّ وايأس يا كئيب
ذبلت أغنية الحبّ وواراها المغيب
وستبقى, أيّها المحزون , في الشوق تذوب
أبدا ترجو رجوعا لهوى ليس يؤوب
ثم ماذا ؟ أي حلم ترتجي يا ابن السماء
أنت في الأرض , فلا تحلم بلقيا الأوفياء
لا تلم شاعرك الغادر وابسم للشقاء
والتجىء للعود تسعد يا حزين الشعراء
معبدي , إفتح لقلبي الباب , لا تقس عليه
ليجد عندك سلواه لينسى أمليه
يا لمحزون شقيّ مزّق الشوك يديه
ملء دنياه عبوس , فابتسم أنت إليه
عيد الإنسانية
"8/5/1945 يوم الهدنة"
في دمي لحن من الشوق جديد
والمجاليّ حواليّ نشيد
ليلتي هذي ابتسام وسعود
طاف بالأفق فغنّاه الوجود
هي يا قيثارتي لحن سعيد
هي شعر , هي وحي , هي عود
هذه الليلة للعالم عيد
وهي , يا قيثارتي , الحلم الوحيد
أين أوتارك يا عودي الحبيبا
شدّها واصدح ولا تبق كئيبا
لم تعد دنياك جمرا ولهيبا
أنت يا من عشت في الكون غريبا
نغم السلم سرى فاحي طروبا
واملأ الدنيا لحونا وطيوبا
وانس أمسا ملأ الكون خطوبا
آن للأفراح أن تمحو الكروبا
فرحة الهدنة , يا بشرى لفنّي
أأنا أحلم ؟ أم تكذب أذني ؟
أم هي الفرحة قد لاحت لعيني ؟
حلم الصادي ورؤيا المتمنّي
يا إله الشعر نحّ الصمت عّني
آن أن أنسى ضراعاتي وحزني
آن أن أحيي الأماني وأغّني
ومعي قلبي وأشعاري ولحني
أنا من غنّت دموع الأشقياء
وبكت أشعارها للأبرياء
كم صريع قبره ثلج الشتاء
ويتيم مهده شوك العراء
وصبايا كرعت سمّ القضاء
قبل أن ترشف كأسا من هناء
صغت أحزانهم لحن شقاء
هو أحزاني وحبي ووفائي
ولقد صوّرت أحلامي سنينا
وهي ما زالت سرابا . وظنونا
وإذا الرحمة تنجي الحالمينا
بالسلام الحلو , حلم المنشدينا
وصدى الوحي ولحن الشاعرينا
لم يعد قلب المقادير ضنينا
فابسمي , شاعرتي , زهوا وفتونا
آه يا شاعرتي , غنّي الأماني
واسمعي , هذا هتاف المهرجان
فالنواقيس , على البعد , أغان
بشّرت بالفجر أحزان المساء
وصدى السلم على كلّ لسان
فاتن النغمة علويّ المعاني
إنها الفرحة , يدري المشرقان
أقبلت تأسو جراح الحدثان