أجراس سوداء - نازك الملائكة

لنمت فالحياة جفّت وهذي ال
كؤس الفارغات تسخر منا

وغيوم الذهول في أعين الأي
ام عادت أجلى وأعمق لونا

وسكون الحياة في جسد الأح
لام لم يبق قطّ للعيش معنى

وفراغ الآهات أثبت أنّا
قد فرغنا من دورنا وانتهينا

***

وعميقا في الليل نسمع أقدا
م الليالي في رهبة ووجوم

ودويّ الأجراس ينذرنا أنّ
ا انتهينا من دورنا المحموم

أنّ ما في الكؤوس يوشك أن ين
ضب إلا من حفنة من هموم

أنّ ما في العيون من عطش الأح
لام أمسى رماد حبّ قديم

***

وبعيدا في الجوّ تنذرنا الأص
وات أنّ الحياة عادت جنونا

أنّ لون الخيال قد حال وارتدّ
شحوبا وواقعا محزونا

أنّ "قبل" الرجاء أصبح "بع
د" فهو فكرة لن تكونا

أن شيئا في عمق أنفسنا يج
ذبنا للمات, شيئا مكينا

***

ولماذا نبقى هنا ؟ أو لم نش
بع ونجر ونرو دون انتهاء ؟

أو لم ندرك النعيم وخمر الن
صر والحبّ نابضا بالرجاء ؟

أو لم نعرف الأسى العاصر
نون والنوم بعد طول البكاء ؟

أو لم نشبع الوجود ومن في
ه احتقارا ونمض باستهزاء ؟

***

ولماذا نبقى هنا ؟ أسمع المو
ت ينادي بنا فلم لا نجيب ؟

لنمت فالرياح تجرح وجهي
نا ولون الدجى عمق رهيب

وهنا نحن متعبان غريبا
ن تعايى بنا الشباب الكئيب

وهنا نحن ميّتان وإن كا
ن لعرق الحياة فينا وجيب

***

"الغريبان" هكذا يهمس اللي
ل وأجراسه تلفّ الوجودا

أيها الليل لن يعيش الغريبا
ن ولن يلمسا مساء جديدا

خذهما أرخ جنحك الأسود الها
دىء حوليهما وحلّق بعيدا

خذهما عزّ أن يقولوا " غريبا
ن " وكانت أقصوصة لن تعودا