السفينة التائهة - نازك الملائكة

في لجّة البحر الرهيب سفينة تحت السماء
ألقت بها الأقدار في لجج المنايا والشقاء

الريح تصرخ حولها وتضجّ في ظلم الفضاء
والموج يضربها ويلقيها على شفة الفناء

سارت ولا رّبان يهديها إلى الشطّ السحيق
حيرى يخادعها الظلام فلا شعاع ولا بريق

من فوقها هول الرعود وتحتها اللجّ العميق
سارت وما تدري إلى أين المصير وما الطريق

الريح مزّقت الشراع فأين يضرب زورقي ؟
والموج أطفأ ضوء مصباحي فماذا قد بقي ؟

وغدا سينسكب الدجى في جفني المغرورق
وتسير أمواج البحور على شبابي المغرق

لا شيء يمسح أدمعي , لا حلم تلمحه عيوني
لا شاطىء ترنو إليه سفينتي , تحت الدجون

كتبت لي الأقدار أن أمشي على شوك السنين
جسما تعذّبه كآبة خافق جم الحنين

رحماك يا أيدي الكآبة ما الذي قد كان منّي ؟
ماذا جنيت لتعصري قلبي وأحلامي ولحني ؟

أبدا تمدّين الجناح على خيالاتي وفنّي
وتلوّنين مشاعري بسواد آهاتي وحزني

ويروح يصرخ تحت عبئك قلبي المتمرّد
قلبي الذي ذاق الوجود به وعذّبه الغد

قلبي الكئيب المستطار الشاعر المتنّهد
يحيا على ظمأ الحياة فأين أين المورد ؟

كم شاعر عبد الحياة وعاش يشدو بالجمال
أبدا يغرّد للطبيعة والكآبة والخيال

حتى إذا طلع الصباح على الصحاري والتلال
عثر الضياء على فتى مسجى على كثب الرمال

نّمت عليه كآبة , لم يمحها الموت الرهيب
ووشت به عينان ران عليهما اليأس المذيب

وإلى يمين رفاته قيثاره الساجي الكئيب
حفظ الوفاء لمن خبت ألحانه وذوى اللهيب

يا ليل ,ما نفع الأسى ؟ يا بحر , ما معنى الدموع ؟
ألنوء يصخب داويا , والموج يهزا بالقلوع

أنّى تسير سفينتي الحيرى إذن ؟ أنّى الرجوع ؟
فلتمض للمجهول , ذلك وحده ما نستطيع