إلى عمتي الراحلة - نازك الملائكة

أنا لم أزل في الفجر رانية
للأفق في صمت وإعياء

تتدافع الذكرى على شفتي
بعض ارتعاشات وأصداء

الجرح نديان تعيش به
أصداء ماض ميت ناء

أيامه عادت صدى حلم
لم تبق منه غير أشلاء

غير ابتسامات ممزّقة
أودت بهنّ مرارة الداء

تتدافع الذكرى وتملأني
أشباحها قلقا وأشجانا

ألأمس ما زالت كآبته
حرّى تذكرّني بما كانا :

بالليل كيف سهرته ألما
بالفجر كيف أطلّ ظمآنا

بدموعي العطشى وحرقتها
بتدفق الإحساس أحزانا

باليأس كيف طغت مرارته
وتمرّدت حرقا ونيرانا

الأمس هل في الأمس من حلم
هل فيه ما ينجي من الحرق ؟

هل فيه بعض صدى يناغمني
ذكرى ؟ رجاء غير محترق

لفظ يمرّ ؟ وبسمة ؟ ويد
مرّت برقتها على قلقي ؟

أوّاه..بعض خطى ألوذ بها
من حزني القاسي ومن أرقي

بعض ابتسامتك التي غربت
في الصمت واحتقت على الأفق

ألدمع أذرفه ويذرفني
قلبا يجنّ أسى ويحتضر

قطراتع نار تمزّقني
ما زال منها في دمي أثر

عيناي تحترقان من ألم
تدمى وتقطر فيهما الصور

جرحان لا جفنان أين غدي ؟
أين الطبيعة والهوى النضر ؟

ما للحياة هوت أشعتها
ليلا وعّكر جوهّ القدر ؟

أين التفتّ تصدّني صور
وحشية , وشتيت آلام

ذكرى من الماضي تحطمني
وتظل تصهر جفني الدامي

أوّاه..كيف سقطت ميتة
وأنا أعيش وتلك أوهامي

وأنا أعيش رؤى ممزّقة
وأحزك أهوائي وأحلامي

تتلفت الذكرى إليك وبي
ظمأ يعتّم جوّ أيامي

وأريد أن أنسى فتخنقني
رعشات حزن ساهد مرّ

أبقيت جرحا حافرا قلقا
في قلب أحلامي وفي شعري

كفّ الحنان نسيت ملمسها
وفقدت معبرها على شعري

لم يبق منها غير أغنية
جفّت مرارتها على ثغري

وسهرت أنشدها وأنشدها
في ليلة مأسورة الفجر

أواه من حزني ومن ظمأي
هل عدت طيفا مطفأ المقل

ألقبر ضمّك في برودته بعد
ارتعاشة قلبي الخضل

لا طير يوقظ فيك عرق هوى
لا شيء يبعث خامد الأمل

ألظلّ مرّ وأنت ساهية عن
رقصه وشعاعه الثمل

والنجم لاح وأنت هامدة لا
تعبأين بضوئه الخجل

وتمرّ أصداء الحياة ضحى
بوسادك المجزون وا أسفا

صوت المؤذن كم سهرت له
ما باله في مسمعيك غفا ؟

ما بال رعشته تمرّ على
قلب تناسى كيف أمس هفا

ما بالها لاذت بغربتها
ومضت تباكي حولك (النجفا)

تبكي وترسم في انتفاضتها
صوتا يبيت الليل مرتجفا

أوحيدة في القبر هامدة
وأنا أمسّ سريرك الخاوي ؟

خصلات شعرك فوق حرق
في عمق يأسي الصارخ الداوي

ومكان رأسك في الوسادة في
قلبي بقايا كوكب هاو

وقميصك الباكي أما بقيت
فيه حرارة جسمك الذاوي ؟

كيف انطويت وأنت خالدة في
أدمعي ؟ شلّت يد الطاوي

أصغي وهل تصغين ؟ هل بلغت مثواك أصداء ارتعاشاتي

كيف انتفضت وأنت هامدة في مخلبي ألمي وآهاتي

تتعثر النغمات في شفتي
بصراخ أحزاني وأنّاتي

مزّقت أيامي التي سلفت
ودفنت فيك بشاشة الآتي

وأضعت أفراحي ومن عبث
شبه ابتساماتي وضحكاتي