سلوا البارق النجدي من علمي نجد - ابن زمرك

سلوا البارق النجدي من علمي نجد
تبسم فاستبكى جفوني من الوجد

أجاد ربوعي باللوى بورك اللوى
وسح به صوب الغمائم من بعدي

ويا زاجري الأظعان وهي ضوامر
دعوها ترد هيما عطاشا على نجد

ولا تنشقوا الأنفاس منها مع الصبا
فإن زفير الشوق من مثلها يعدي

براها الهوى بري القداح وخطها
حروفا على صفح من القفر ممتد

عجبت لها أنى تجاذبني الهوى
وما شوقها شوقي ولا وجدها وجدي

لئن شاقها بين العذيب وبارق
مياه بفيء الظل للبان والرند

فما شاقني إلا بدور خدورها
وقد لحن يوم النفر في قضب ملد

فكم في قباب الحي من شمس كلة
وفي فلك الأزرار من قمر سعد

وكم صارم قد سل من لحظ أحور
وكم ذابل قد هز من ناعم القد

خذوا الحذر من سكان رامة إنها
ضعيفات كر اللحظ تفتك بالأسد

سهام جفون عن قسي حواجب
يصاب بها قلب البرئ على عمد

وروض جمال ضاع عرف نسيمه
وما ضاع غير الورد في صفحة الخد

ونرجس لحظ ارسل الدمع لؤلؤا
فرش بماء الورد روضا من الورد

وكم غصن قد عانق الغصن مثله
وكل على كل من الشوق يستعدي

قبيح وداع قد جلا لعيوننا
محاسن من روض الجمال بلا عد

رعى الله ليلى لو علمت طريقها
فرشت لأخفاف المطي بها خدي

وما شاقني والطيف يرهب أدمعي
ويسبح في بحر من الليل مربد

وقد سل خفاق الذوائب بارق
كما سل لماع الصقال من الغمد

وهزت محلاة يد الشوق في الدجى
فحل الذي أبرمت للصبر من عقد

وأقلق خفاق الجوانح نسمة
تنم مع الإصباح خافقة البرد

وهب عليل لف طي بروده
أحاديث أهداها إلى الغور من نجد

سوى صادح في الأيك لم يدر ما الهوى
ولكن دعا مني الشجون على وعد

فهل عند ليلى نعم الله ليلها
بأن جفوني ما تمل من السهد

وليلة إذ وافى الحجيج على منى
وفت لي المنى منها بما شئت من قصد

تقضيت منها فوق ما أحسب المنى
وبرد عفافي صانه الله من برد

وليس سوى لحظ خفي نجيله
وشكوى كما أرفض الجمان من العقد

غفرت لدهري بعدها كل ماجنى
سوى ما جنى وفد المشيب على فودي

عرفت بهذا الشيب فضل شبيبتي
وما زال فضل الضد يعرف بالضد

ومن نام في ليل الشباب ضلالة
سيوقظه صبح المشيب إلى الرشد

أما والهوى ما حدت عن سنن الهوى
ولا جرت في طرق الصبابة عن قصد

تجاوزت حد العاشقين الألى مضوا
وأصبحت في دين الهوى أمة وحدي

نسيت وما أنسى وفائي وخلتي
وأقفر ربع القلب إلا من الوجد

إليك أبا زيد شكاة رفعتها
وما أنت من عمرو ولدي ولا زيد

بعيشك خبرني وما زلت مفضلا
أعندك من شوق كمثل الذي عندي

فكم ثار بي شوق إليك مبرح
فظلت يد الأشواق كمثل الذي عندي

وصفق حتى الريح في لمم الربى
واشفق حتى الطفل في كبد المهد

يقابلني منك الصباح بوجنة
حكى شفقا فيها الحياء الذي تبدي

وتوهمني الشمس المنيرة غرة
بوجهك صان الله وجهك عن رد

محياك أجلى في العيون من الضحى
وذكرك أحلى في الشفاه من الشهد

وما أنت إلا الشمس في علو أفقها
تفيدك من قرب وتلحظ من بعد

وفي غمة من لا ترى الشمس عينه
وما نفع نور الشمس في الأعين الرمد

من القوم صانوا المجد صون عيونهم
كما قد أباحوا المال ينهب للرفد

إذا ازدحموا يوما على الماء أسوة
فما ازدحموا إلا على مورد المجد

ومهما أغاروا منجدين صريخهم
يشبون نار الحرب في الغور والنجد

ولم يقتنوا بعد الثناء ذخيرة
سوى الصارم المصقول والصافن النهد

وما اقتسم الأنفال إلا ممدح
ملاها بأعراف المطهمة الجرد

أتنسى ولا تنسى ليالينا التي
خلسنا بهن العيش في جنة الخلد

ركبنا إلى اللذات في طلق الصبا
مطايا الليالي وادعين إلى حد

فإن لم نرد فيها الكؤوس فإننا
وردنا بها للأنس مستعذب الورد

لقيتك في غرب وأنت رئيسه
وبابك للأعلام مجتمع الوفد

فآنست حتى ما شكوت بغربة
وواليت حتى لم أجد مضض الفقد

وعدت لقطري شاكرا ما بلوته
من الخلق المحمود والحسب العد

إلى أن أجزت البحر يا بحر نحونا
وزرت مزار الغيث في عقب الجهد

ألذ من النعمى على حال فاقة
وأشهى من الوصل الهني على صد

وساءني أن قوضت رحلك النوى
وعوضت منها بالذميل وبالوخد

لقد سرني أن لحت في أفق العلا
على الطائر الميمون والطالع السعد

طلعت بأفق الشرق نجم هداية
فجئت مع الأنوار فيه على وعد

يمينا بمن تسري المطي سواهما
عليها سهام قد رمت هدف القصد

إلى بيته كيما تزور معاهدا
أبان بها جبريل عن كرم العهد

لأنت الذي مهما دجا ليل مشكل
قدحت به للنور وارية الزند

وحيث استقلت في ركاب لطية
فأنت نجي النفس في القرب والبعد

وإني بباب الملك حيث عهدتني
مديد ظلال الجاه مستحصف العقد

أجهز بالإنشاء كل كتيبة
من الكتب والكتاب في عرضها جندي

نلوذ من المولى الإمام محمد
بظل على نهر المبرة ممتد

إذا فاض من يمناه بحر سماحة
وعم به الطوفان في النجد والوهد

ركبنا إلى الإحسان في سفن الرجا
بحور عطاء ليس تجزر عن مد

فمن مبلغ الأمصار عني ألوكة
مغلغلة في الصدق منجزة الوعد

بآية ما أعطى الخليفة ربه
مفاتيح فتح ساقها سائق السعد

ودونك من روض المحامد نفحة
تفوق إذا اصطف الندي عن الند

ثناء يقول المسك إن ضاع عرفه
أيا لك من ند أما لك من ند

وما الماء في جو السحاب مروقا
بأطهر ذاتا منك في كنف المهد

فكيف وقد حلتك أسرابها الحلى
وباهت بك الاعلام بالعلم الفرد

وما الظل في ثغر من الزهر باسم
بأصفى وأذكى من ثنائي ومن ودي

ولا البدر معصوبا بتاج تمامه
بأبهر من ودي وأسير من حمدي

بقيت ابن خلدون إمام هداية
ولا زلت من دنياك في جنة الخلد