ألمْ يأنِ أنْ يبكي الغمامُ على مثلي، - ابن زيدون

ألمْ يأنِ أنْ يبكي الغمامُ على مثلي،
ويطلبَ ثأرِي البرقُ منصلتَ النصلِ

وَهَلاّ أقَامَتْ أنْجُمُ اللّيلِ مَأتماً،
لتندبَ في الآفاقِ ما ضاعَ من نثلي

ولَوْ أنصَفتَني، وهيَ أشكالُ همّتي،
لألقَتْ بأيدي الذّلّ لمّا رأتْ ذلّي

ولافترقَتْ سبعُ الثّريّا، وغاضَها،
بمطلعِها، ما فرّقَ الدّهرُ من شملي

لعمرُ اللّيالي ! إنْ يكنْ طال نزْعُها
لقد قرطَستْ بالنَّبلِ في موضعِ النُّبلِ

تَحَلّتْ بآدابي، وإنّ مآرِبي
لسانحة ٌ في عرضِ أمنيّة ٍ عطلِ

أُخَصُّ لفَهمي بالقِلى ، وكأنّما
يبيتُ، لذي الفهمِ، الزّمانُ على ذحلِ

وأجفَى ، على نظمي لكلّ قلادة ٍ،
مُفَصَّلَة ِ السِّمطَينِ، بالمَنطقِ الفصْلِ

ولوْ أنّني أسطيعُ، كيْ أرضِيَ العدا،
شَريْتُ ببعضِ الحلمِ حظّاً من الجهلِ

أمَقْتُولَة َ الأجفْانِ! مَا لكَ وَالهاً؟
ألمْ تُرِكِ الأيّامُ نجْماً هوَى قَبْلي؟

أقِلّي بُكاءً، لستِ أوّلَ حُرّة ٍ
طوتْ بالأسَى كشحاً على مضض الثّكلِ

وَفي أُمّ مُوسى عِبْرَة ٌ أنْ رَمَتْ بهِ
إلى اليَمّ، في التّابوتِ، فاعتَرِي وَاسلى

لعلّ المليكَ المجملَ الصُّنعِ قادراً
له بعد يأسٍ، سوفَ يجملُ صنعاً لي

وللهِ فينا علمُ غيبٍ، وحسبُنا
به، عند جوْرِ الدّهرِ، من حَكَمٍ عَدْلِ

هُمَامٌ عَريقٌ في الكِرَامِ، وقَلّما
ترَى الفرعَ إلاّ مستمدّاً من الأصلِ

نَهُوضٌ بِأعْباء المُرُوءة ِ وَالتّقَى ؛
سحوبٌ لأذيالِ السّيادة ِ والفضْلِ

إذا أشْكَلَ الخَطْبُ المُلِمُّ، فءنّهُ،
وَآراءهُ، كالخَطّ يُوضَحُ بالشّكلِ

وذو تدرإٍ للعزمِ، تحتَ أناتِهِ،
كمُونُ الرّدى في فَترة ِ الأعينِ النُّجلِ

يرفُّ، على التّأميلِ، لألاءُ بشرِهِ،
كما رَفّ لألاءُ الحُسامِ على الصّقْلِ

محاسنُ، ما للحسنِ في البدرِ علة ٌ،
سِوى أنّها باتَتْ تُمِلّ فيَسْتَملي

تغِصُّ ثنائي، مثَلما غصّ، جاهداً،
سِوارُ الفتاة ِ الرّادِ بالمِعصمِ الخَدلِ

وتغنى عنِ المدحِ، اكتفاءً بسروِها،
غنى المقلة ِ الكحلاء عن زينة ِ الكحلِ

أبَا الحزمِ ! إنّي، في عتابِكَ، مائلٌ
على جانبٍ، تأوِي إليهِ العُلا سهلِ

حمائمُ شكوى صبّحتكَ، هوادِلاً،
تنادِيكَ منْ أفنانِ آدابيَ الهدْلِ

جوادٌ، إذا استنّ الجيادُ إلى مدى ً
تمطّرَ فاستولى على أمدِ الخصلِ

ثَوَى صَافِناً في مَرْبطِ الهُونِ يشتكي،
بتصهالِهِ، ما نالَهُ من أذى الشّكْلِ

أفي العَدْلِ أنْ وافَتكَ تَتْرَى رَسائلي
فلمْ تتركَنْ وضعاً لها في يديْ عدلِ؟

أعِدُّكَ للجلّى ، وآملُ أنْ أرَى ،
بنعماكَ، موسوماً، وما أنا بالغفْلِ

وما زالَ وَعدُ النّفسِ لي منكَ بالمُنى ،
كأنّي به قد شمتُ بارقة َ المحلِ

أأنْ زعمَ الواشونَ ما ليسَ مزعماً
تعذِّرُ في نصرِي وتعذرُ في خذلي؟

وأصدى إلى إسعافكَ السّائغِ الجَنى ؛
وأضحى إلى إنصافِكَ السّابغِ الظلّ

ولو أنّني واقعتُ عمداً خطيئة ً،
لما كانَ بدعاً من سجاياكَ أن تُملي

فلمْ أستَترْ حَرْبَ الفِجارِ، ولم أُطعْ
مُسَيلمة ً، إذ قالَ: إنّي منَ الرُّسْلِ

ومثليَ قدْ تهفو بهِ نشوة ُ الصِّبَا؛
وَمثلُكَ قد يعفو، وما لكَ من مثلِ

وإنّي لتنهَاني نهايَ عنِ الّتي
أشادَ بها الواشي، ويعقلُني عقلي

أأنكُثُ فيكَ المدحَ، من بعدِ قوّة ٍ،
ولا أقتدي إلاّ بناقضة ِ الغزْلِ !

ذمَمْتُ إذاً عهدَ الحياة ِ، ولم يزَلْ
مُمِرّاً، على الأيّامِ، طَعمُهَا المحَلي

وما كنتُ بالمُهدي إلى السّودَدِ الحَنَا
ولا بالمُسيء القولِ في الحسنِ الفعلِ

ما ليَ لا أُثني بِآلاء مُنْعِمٍ،
إذا الرّوْضُ أثنى ، بالنّسيمِ، على الطّلّ

هيَ النّعلُ زلّتْ بي، فهل أنتَ مكذبٌ
لقيلِ الأعادي إنّها زَلّة ُ الحِسْلِ؟

وهلْ لكَ في أن تشفعَ الطَّولَ شافعاً
فتُنجحَ مَيمونَ النّقِيبة ِ، أوْ تُتْلي؟

أجرِ أعدْ آمِن أحسنِ ابدأ عُدِ اكفِ
حُط تحفّ ابسطِ استألِفْ صُن احم اصْطنع أعلِ

منى ً، لوْ تسنّى عقدُها بيدِ الرّضَا
تيسّرَ منها كلُّ مستصعبِ الحلّ

ألا إنّ ظَني، بَينَ فِعلَيكَ، وَاقِفٌ
وُقوفَ الهوَى بينَ القَطيعة ِ وَالوَصْلِ

فإنْ تمنَ لي منكَ الأماني، فشيمة ٌ
لذَاكَ الفَعالِ القَصْدِ والخُلقِ الرَّسلِ

وإلاّ جنيتُ الأنسَ من وحشة ِ النّوَى
وَهَولِ السُّرَى بينَ المَطيّة ِ والرّحلِ

سيُعْنَى بِمَا ضَيّعتَ مِنّي حافِظٌ؛
ويلفى لما أرْخَصْتَ من خطرِي مغْلي

وأينَ جوابٌ عنكَ ترضَى به العُلا،
إذا سألَتْني بعدُ ألسنة ُ الحفلِ؟