بشراك هذا منار الحي ترمقه - ابن شهاب

بشراك هذا منار الحي ترمقه
وهذه دور من تهوى وتعشقه

وهذه الروضة الغناء مهدية
مع النسيم شذا الأحباب تنشقه

وتلك أعلامهم للعين بادية
تزهو بها بهجة النادي ورونقه

فحي سكان ذاك الحي إن شهدت
عيناك سرب الغواني حين يطرقه

واخلع به النعل والثم تربة عبقت
بالمسك لما مشى فيها مقرطقه

جد في الربوع بمرجان الدموع ولا
تبخل فمحمر دمع الحب أصدقه

واقرع على البخت باب الحنان عن أدب
لعل بفتح عند القرع مغلقه

فَثَمَّ تلق الحسان البيض عاكفة
في منظر ورده يذكو وزنبقه

على تناول شيء من خصائصه
سلب النهى إن سرى فيها معتقه

تجلو أشعته غيم الهموم إذا
تصاعدت ويد الساقي تروقه

يدعو إلى كرم الأخلاق ساكبه
بسائل من دم العنقود يهرقه

بدر يدور على تلك البدور بمايكاد في الكأس لولا المزج يحرقه

من كل غان كأن الليل طرته
والشمس غرته والسحر منطقه

يزهو به من عقود الجيد لؤلؤها
كأنه من دراري الثغر يسرقه

لدن القوام دقيق الخصر خاتمه
لو شاء من غير تكليف يمنطقه

ما أطيب العيش في أكنافهن وما
أولى الفتى بنفيس العمر ينفقه

ألذه حيث كان الشمل مجتمعا
وشره لا قضى المولى تفرّقه

لله فرصة أنس قد ذكرت بها
عصراً بنيل المنى يشدو مطوقه

أبان نيلي في شرخ الشباب من الأحباب
ما لا أظن الغير يرزقه

انآء عز بساحات لبست بها
من الصبا ما يكاد البين يخلقه

في مربع ممرع نيطت علي به
تمائمي وبفؤدي شد بخنقه

أهكذا ليت شعري كل ذي كرم
يصيبه تذكاره المأوى ويقلقه

يا أيها الراكب الغادي إلى بلد
جرعاؤه خصبة المرعى وأبرقه

ناشدتك الله والود القديم إذا
ما بَانَ مِن بَانِ ذاك السفح مورقه

وشاهدت عينك الغناء غادرها
مخضلة بالحيا الوسمي مغدقه

أن تستهل صريخاً بالتحية عن
باك من البعد كاد الدمع يغرقه

يثير أشجانه فوج الصبا سحراً
وساجع الورق بالذكرى يؤرقه

له فؤاد نزوع لا يفارقه
حر الغرام وجفن ليس يطبقه

بالهند ناءْ أخي وجدْ يَحِنُّ إلى
أوطانه وسهام البين ترشقه

إلى العرانين من أقرانه وإلى حديثهم عبرات الشوق تخنقه

وللظباء بهاتيك السفوح له
تأله برقيق الشعر ينطقه

لم يسل عنهم ولم ينس العهود ولم
ينقض وإن طالت الأيام موثقه

وما دعاه لطول الإغتراب سوى
أمر به ظل سعد الحظ يسبقه

وكيف لا يحمد المسعى وقد بلغت
به إلى الدكن المأنوس أنيقه

حتى أناخ بباب الآصفي نظام
الملك أهيب سلطان وأليقه

النير الفرد محبوب العلي ومن
من أفضل الدولة العالي تألقه

سامي المقام أغرّ الوجه مسفره
زاكي النجار حسيب الأصل معرقه

من دوحة في روابي العز منتبها
وماء عين العلا فيها تدفقه

خيار من ملك الدنيا أبوتّه
ورهطه لرهان المجد سبقه

أصول مجد إلى الصديق نسبتهم
وشاهد القول أفعال تصدقه

كأنهم عقد زهر في تناسبهم
يد الخلافة للهادي تنسقه

جاءت بأكرم فرع طاب منشؤه
وخير من أمل الراجي يحققه

صافي الرغام فلم يلمم به أشب
يشين أو قتر في الوجه يرهقه

ليث العرين تصك الخطب همته
وتنطح الشامخ الراسي فتسحقه

ثبت إذا مكفهر النائبات دهى
فبالقنا وسديد الرأي يفتقه

نجيع هام العدا صهباء مرهَفِه
محكم في تراقيهم مذلقه

الرابط الجاش والهيجاء كاشرة
إذ كل قرم خفوق القلب مشفقه

والقاحم الهول لو أدنى قوارِعِه
طنت بسمع أخي عبس تصعقه

والخائض الغمرات اللاء لو هدأت
وخاض شاطئها ابن الورد تغرقه

والقائد الجيش كرّاراً بمعترك
تهوى هوي البزاة الشهب سبقه

والقائل الفصل ما بين الملوك فلو
ناجاه ذو لهجة بالريق يشرقه

والواهب الذهب الآبي لكثرته
عن أن يحيط به عَدَّاً مفرقه

لا يشهد الفضل في بذل النوال سوى
لقابليه ولا بالمن يمذقه

يعلي إذا أمه الحر الكريم له
شأوا ومن رق صرف الدهر يعتقه

يهوي إلى جوده من كل قاصية
مقيد الدهر بالأرزا ومطلقه

ما في الملوك له ندّ ولا مثل
لا هم إلا إن الباري سيخلقه

تجري سباقاً إلى العلياء ضمرهم
ومن إذا ما جرت حاشاه يلحقه

ميزان عدل يحق الحق مقتدراً
ويدمغ الجور تنزيهاً ويزهقه

يولي ذوي الفضل فضلاً والمسيء بما
جنى وما كسبت أيديه يوبقه

بسبقه في مجال الفخر يشهد في المسكون
مغربه الأقصى ومشرقه

ولم يزل لاقتناء المجد مجتهداً
وبارتقا فلك العليا تعلقه

لنيل ما عجزت عنه الملوك على
علاته أبداً ينمو تشوقه

يا أيها الملك الميمون لا برحت
على لوائك ريح النصر تخفقه

وافتك من نازح ذابت حشاشته
بالبين فهو كئيب الصدر ضيقه

عذراء يعنو جرير لو أصاخ لها
سمعاً ويسجد تعظيماً فرزدقه

تزهو وتختال في برد البيان لكي
ترد دعوى مضاهيها وتحنقه

تَمُتُّ بالصدق إذ لم تأت مُخْتَلَقاً
من الثناء وخير القول أصدقه

ضمنت أبياتها آي البديع فلم
يقدر عليها بليغ القول مفلقه

فإن قبلت فأهل للقبول وإن
تعرض فيكبو لحظ المرء أبلقه