أثنى شذا الروض على فضل السحب - ابن نباتة المصري

أثنى شذا الروض على فضل السحب
واشتملت بالوشي أرداف الكثب

ما بين نور مسفراللثام
وزهر يضحك في الأكمام

إن كانت الأرض لها ذخائر
فهي لعمري هذه الأزاهر

قد بسطتها راحة الغمائم
بسط الدنانير على الدراهم

أحسن بوجه الزمن الوسيم
تعرف فيه نضرة النعيم

وحبذا وادي حماة الرحب
حيث زهى العيشُ به والعشب

أرض السناء والهناء والمرح
والأمن واليُمن ورايات الفرح

ذات النواعير سقاة التربِ
وأمهات عصفه والأب

تعلمت نوح الحمام الهتف
أيام كانت ذات فرع أهيفِ

فكلها من الحنين قلبُ
لاسيما والماء فيها صب

لله ذاك السفح والوادي الغرد
والماء معسول الرضاب مطّرد

يصبو لها الرآئي ويهفو السامع
ويحمد العاصي فكيف الطائع

إذا نظرت للربا والنهر
فارو عن الربيع أو عن جعفر

محاسن تلهي العيون والفكر
ربيع روضات وشحرور صفر

أمام كل منزل بستان
وبين كل قرية ميدان

أما رأيت الورق في الأوراق
جاذبة القلوب بالأطواق

فبادر اللذة يا فلان
واغنم متى أمكنك الزمانُ

و لا تقل مشتى ولا مصيفُ
فكل وقت للهنا شريفُ

كل زمان يتقضى بالجذل
زمان عيش كيفما دار اعتدل

أحسن ما أذكر من أوقاته
وخير ماأبعث من لذاته

بروزنا للصيد فيه والقنص
وحورنا من مره أحلى الفرص

و أخذنا الوحش من المسارب
وفعلنا في الطير فوق الواجب

لما دنا زمان رمي البندق
سرنا على وجه السرور المشرق

في عصبة عادلة في الحكم
وغلمة مثل بدور التمّ

من كل مبعوث إلى الأطيار
تظله غمامة الغبارِ

و كل معسول الشباب أغيد
منعطف عطف القضيب الأملد

قد حمد القوم به عقبى السفر
عند اقتران القوس منه بالقمر

لولا حذار القوس في يديه
لغنّت الورق على عطفيه

في كفه محنية الاوصال
قاطعة الاعمار كالهلال

زهراء خضراء الاهاب معجبه
مما ثوت بين الرياض المعشبه

فاغرة الافواه للاطيار
طالبة لهنّ بالأوتار

كأنها حول المياه نون
أو حاجب بما تشا مقرون

لها نبات بالمنى مغدوقة
من طيبة واحدة مخلوقة

سامعة لما تشير الأم
مع أنها مثل الحجار صمّ

واهاً لها من شهب تخطف
شاهرة بالعزم وهي تقذف

كأنها والطير منها هارب
خلف الشياطين شهاب ثاقب

حتى نزلنا بمكان مونق
اخوان صدق أحدقوا بالملّق

فياله في الحسن من محل
مراد جدّ ومراد هزل

للطير في مياهه مواقع
كأنها من فوقه فواقع

فلم نزل في منزل كريم
نروي حديث الرمي عن قديم

حتى طوى الافق رداء الورس
والتقم المغرب قرص الشمس

و ذر مسك الليل في فرق الافق
واتشحت خود السماء بالنطق

وابتدر القوم إلى المراصد
من ساهر الليل التمام ساهد

بينا الطيور في مداها سائره
اذا هم من عينه بالساهره

كالليث يسطو كفه بأرقم
والبدر يرمي في الدجى بأنجم

و أقبلت مواكب الطيور
على طروس الجوّ كالسطور

فحبذا السطورفي المهارق
منقوطة الاحرف بالبنادق

من كل تم حق أن يسمي
ضياءه المشرق بدر التم

تخاله من تحت عنق قد سجا
طرّة صبح تحت أذيال الدجى

و كل حيّ حسن الوسامه
كأنه في أفقه غمامه

تتبعه أوزة دكناء
من دونها لفلفة غرَّاء

تقدمها أنيسة ملونه
تابعة من كل وصف أحسنه

يجني بها الآكل خير ما جنى
وأحسن المأكول ما تلَّونا

و ربما مر لديها حبرج
كأنه على نضار يدرج

و انقض من بعض الجبال النسر
له بأبراج النجوم وكرُ

مغبر الخلق شديد الأيدي
يبني على الكسر حروف الصيد

و كل كركي عجيب السير
كأنه طيف خيال الطير

ما بين أحشاء الظلام يسري
من أرض بغداد لأرض مصر

يحث مسراه عقاب كاسبه
خافضة لحظ الطيور ناصبه

إذا مضت جملتها المعترضه
تواصلت خيوطها المنقرضه

و أبيض الغيم يسمى مرزما
كم بات مثل نوئه منسجما

يحثّ غرنوقا شهي المجتلى
مقدًَّماً على الغرانيق العلى

و كل صوع مبهت المفاجي
كالبرق يخطو فوق ليل داجي

و أبيض مثل الغمام يسجم
وكيف لا يسجم وهو مرزمُ

يحفه شبيطرٌ قويّ
في ملة الأطيار موسويّ

هذا وكم ذي نظر ممتاز
ينعت في الواجب بالعُنّاز

اسوده ذو غرة في الصدر
كأنه نور الهدى في الكفرِ

فلم تزل قسينا الضواري
تصيبها بأعين النظار

حتى غدت دامية النحور
ساقطة منها على الخبير

كأنها وهي لدينا وقع
لدى محاريب القسيّ ركّعُ

و أصبحت أطيارنا قد حصلت
فلا تسل بأي ذنب قتلت

مستتبعاً وجه العشا وجه السحر
وكل وجه منهما وجه أغر

يالك من صيد مقرّ العين
يرضي الصحاب وهو ذو وجهين

لم نرض ما وفى من الأماني
حتى شفعناه بصيدٍ ثاني

صيد الملوك الصيد بالكواسر
والخيل في وجه الصباح السافر

ذاك الذي تصبو له الجوارح
فهي الى طلابه طوامح

واثقة بالرزق حيث كانا
تغدو خماصاً وتجي بطانا

سرنا على اسم الله والمناجح
نعوم في الأقطار بالسوابح

خيل تحاذي الصيد حيث مالا
كأنها أضحت له ظلالا

تسعى لها قوائم لا تتبع
وكيف لا وهي الرياح الأربع

رائقة المنظر زهراء الغرر
كأنها الروضات حيّت بالزهر

من أحمر للبرق عنه خبر
يشهد أن الحسن حقاً أحمرُ

و أصفر الجلدة كالدينار
يسّر كفّ الصائد الممتار

و أشهب كالسهم في انقضاضه
وصفحة الطرس في ابيضاضه

ماضي السباق أظهر اللباس
ناهيك من سهم ومن قرطاس

و أخضر مثل سنا العيش النضر
يطوى الفلا وكيف لا وهو الخضر

و أدهمٌ ساد على الجيادِ
وهكذا السواد في السواد

تحفنا من فوقها غلمان
كأنهم لدوحها أغصان

تركٌ تريك في سناء الملبس
كواكبا طالعة في الأطلسِ

منظومة الأوساط بالسلاح
من كلّ سهم رجلُ الجناح

و كل عضب ذرب المقاطع
يحرّف الهام عن المواضع

على يد الزائر منهم زاده
من كل باز قرم فؤاده

قد كتبت في شكله حروف
تقري بما يقرى به الضيوف

فالمنسر الأشفى بحال جيما
والعين تجلى بالنضار ميما

دان لمن يتلوه خير جمّ
سهم إذا حبرته أو شهم

و كل شاهينٍ شهيّ المرتمى
كبارقٍ طار وصوب قد همى

بينا تراه ذاهباً لصيده
معتصماً بأيده وكيده

حتى تراه عائداً من أفقه
ملتزماً طائره في عنقه

أفلح من كان على يسراه
حتى غدت حاسدة يمناه

تلك يد لا تعرف الاعسارا
لأجل ذا قد سميّت يسارا

و كل صقر مسبل الجناح
مواصل الغدوّ والرواح

ذو مقلة لها ضرام واقد
تكاد تشوي ما يصيد الصائد

كأنما المخلب منه منجل
لحصد أعمار الطيور مرسل

عيش ذوي الصيد به عيش رخي
يصلح أن يدعى وكيل المطبخ

يا حبذا طيور جدّ ولعب
تهوي الى الأرض وللأفق تثب

من سنقر عالي المدا والشان
معظم الأخبار والعيان

كأنه خليفة قد أقدما
يفسد الأرض ويسفك الدما

يصعد خلف الرزق ليس يمهله
كأنه من السما يستعجله

و من عقاب بأسها مروع
كأنها للطير جنّ تفزع

كم جلبت لطائر من مهن
وكم وكم قد أهلكت من قرنِ

و حبذا كواسر الكواهي
عديمة الأنظار والأشباه

مخصومة بالطرد القويم
حدباً كظهر الذنب الركيم

ذاك لعمري حدبٌ للرائي
يعدل ملك القلعة الحدباء

هذا وقد تجهزت أعدادُ
تجمعها الكلاب والفهاد

من كل فهد عنتريّ الحمله
اذا رأى شخص مهاة عبله

مبارك الإقبال والإعراض
مستقبل الحال بنابٍ ماض

كأنه من حده كنابه
قد أحرق الأنجم في إهابه

له على مسائل الجفون
خطّ لبعض الألفات الجون

ما أبصر المبصر خطا مثله
وكيف لا والخط لابن مقله

و كل منسوب إلى سلوق
أهرت وثّاب الخطا مشوق

طاوي الفؤاد ناشر الأظافر
يا عجباً منه لطاوٍ ناشر

يعض بالبيض ويخطو بالقنا
ويسبق الوهم لإدراك المنى

كالقوس إلا أنه كالسهم
والغيم يجلو عن شهاب رجم

اذا ترآى بقر الوحش اندفع
كأنه المريخ في الثور طلع

قاصرة عن طرفه يداه
مشروطة برجله أذناه

لو أمكن الشمس التي تجلى له
ما سمّيت من خوفها غزاله

يشفعه بكل غور غار
مغالب الصيد على الأوكار

يكاد يبغي سلماً إلى السما
أو نفقاً في الأرض حيث يمما

واهاً لها من أكلب طوارد
معربة عن مضمر المصائد

قد بالغت من طمع في كسبها
ففتشت عن أنفسٍ لم تخبها

حتى اذا تمّت بها الأمور
حفّت بنا لصيدها الطيور

ما بين روضات صمدنا نحوها
ودور آفاق ملكنا جوّها

و استقبلت أطيارها البزاة
معلمة كأنها عزاة

فلم تزل تسطو سطا الحجاج
على الكراكيّ أو الدراج

اذا نحت سائرة محلقة
عادت بها كمضغة مخلّقة

حتى غدت تلك الضواري صرعى
مجموعة لدى التراب جمعا

كأن أقطار الفلاة مجزره
أو روضة من الدماء مزهره

كأن صرعى وحشها كفار
الموت عقبى أمرها والنار

للمرء فيها منظرٌ أحبه
يملأ من لحم وشحم قلبه

لله ذاك المنظر المهنى
إنّ معان عن ذراه عدنا

قد ملئت من ظفر أيدينا
وقد شكرنا الفضل ما حيينا

نشير حول الملك المنصور
كالشهب حول القمر المنير

محمدٌ ناصر دين أحمد
الملك ابن الملك المؤيد

قال الأنام حظه جلي
قلت نعم وجدّه عليّ

ذاك الذي سامى العلى صبيا
وجاءه من مهده مهديا

ناش على الحر وتقليب المنن
كأنما مزجته من اللبن

بين حجور العلم والاعلام
تكنفه لواحظ الأقلام

محكم السطوة سحّاح الديم
يأخذ بالسيف ويعطي بالقلم

لو لمس الصخر لفاض نهراً
أو صحب النجم لعاد بدرا

تختمت بيمنه المكارمُ
فهو على كل الوجوه حاتمُ

لا ظلم تلقى في حماه العالي
إلا على الأعداء والأموال

أما ترى بالصيد فرط حبه
تمرنا على اعتياد حربه

اما ترى الدينار منه خائفاً
أصفر في كفّ العفاة ناشفا

يا قاطعاً عرض الفلا وواصلاً
وقادماً يبغي العلى وراحلا

إذا تأملت المقام الناصري
فاعقد عليه أكرم الخناصر

ملك إذا حققته قلت ملك
قاضية بسعده أيدي الفلك

كالبدر في سنائه وتمه
والطود في وقاره وحلمه

تسجد ان لاح رؤوس العالم
وراثة قد حازها من آدم

ماضر من خيّم في جنابه
أن لا يكون الشهد من أطنابه

مرأى يشف عن فخار الأهل
ونسخة قد قوبلت بالأصل

جنابه عن جاره لا ينكب
وباب نجح للمنى مجرب

غنيتُ في ظلاله عن الورى
غنى نزيل المزن عن قصد القرى

و رحت عن نعماه بالتواتر
أروي أحاديث عطا وجابر

معتصماً بالكرم المؤيد
مصلي الحمد على محمد

قديم قصد وثناء أو هوى
ما ضلّ سعيٌ فيهما ولا غوى

يزيد لفظي بهجة ورونقا
كأنه الخمرة إذ تُعتقا

حسبك مني في الثناء شاعرا
وحسب شعري قوة ً وناصرا