أتظنُّ راحاً في الشَّمالِ شمولا - ابن هانئ الأندلسي

أتظنُّ راحاً في الشَّمالِ شمولا
أتظنُّها سكرى تجرُّ ذيولا

نثرتْ ندى أنفاسها فكأنّما
نَثرَتْ حِبالاتِ الدُّموعِ همولا

أوَ كلَّما جنحَ الأصيلُ تنفَّستْ
نفساً تجاذبهُ إليَّ عليلا

تهدى صحائفكمْ منشَّرة ً وما
تُغني مُراقَبَة ُ العُيونِ فَتيلا

لا تغمِضُوا نَظَرَ االرضا فلربَّما
ضمَّتْ عليهِ جناحها المبلولا

وكأنّ طَيْفاً ما اهتَدى فبعثْتُمُ
مِسكَ الجيوب الرَّدْعَ منه بَديلا

سأروعُ من نضمَّت حجالكمُ وإن
غَدَتِ الأسِنّة ُ دونَ ذلك غِيلا

أعصي رِماحَ الخطِّ دونكِ شُرّعاً
و أطيعُ فيكِ صبابة ً وغليلا

بَشراً وأنقَذَ فيكم التَفصيلا
يَهْمي نفوساً أو يُقَدَّ فُلولا

ما للمعالمِ والطُّلولِ أما كفا
بالعاشقينَ معالماً وطلولا

فكأنّنَا شَمْلُ الدّموعِ تَفَرُّقاً
و كأنَّنا سرُّ الوداعِ نحولا

ولقد ذممْتُ قصيرَ ليلي في الهوى
وحَمِدتُ من مَتْنِ القناة ِ طويلا

إنّي لَتُكْسِبُني المَحامِدَ هِمّة ٌ
نجمتْ وكلَّفتِ النُّجومَ أفولا

بكرتْ تلومُ على النَّدى أزديَّة ٌ
إلاَّ لِيصْفَحَ قادراً وتنِيلا

يا هذهِ إن يفنَّ فارطُ مجدهم
فخذي إليكِ النِّيلَ والتَّنويلا

يا هذهِ لولا المساعي الغرُّ ما
زعموا أباكِ الماجدَ البهلولا

إنَّ لينجدنَا السَّماحُ على الَّتي
تذرُ الغمامَ المستهلَّ بخيلا

وتَظُنُّ في لَهَواتِنا أسيافَنَا
سَيَّرتُهَا غُوَراً لكُمْ وحُجُولا

هذا ابنُ وَحيِ اللهِ تأخُذُ هَدْيَها
لو لم يَفِضْ لك في البرِيّة ِ نائِلٌ

ذو النُّورِ تُولِيهِ مكارمُ هاشِمٍ
شُكْراً كنائِلِهِ الجزيلِ جزيلا

لا مثلَ يومِ منهُ يومُ أدلَّة ٍ
تهدي إلى المتفقِّهينَ عقولا

في مَوسِمِ النَّحُرِ السَّنيعِ يَرُوقُني
فأغضُّ طرفاً عن سناهُ كليلا

والجوُّ يَعثِرُ بالأسِنّة ِ والظُّبَى
و الأرضُ واجفة ٌ تميلُ مميلا

والخافِقاتُ على الوشيجِ كأنّما
حاولنَ عندَ المعصراتِ ذحولا

و الأسدُ فاغرتٌ تمطِّي نيبها
والدّهْرُ يَنْدُبُ شِلْوَهُ المأكولا

و الشَّمسُ حاسرة ُ القناعِ وودُّها
لو تستطيعُ لتُربِهِ تقبيلا

وعلى أميرِ المؤمنِينَ غمامَة ٌ
نشأتْ تظلِّلُ تاجهُ تظليلا

نهضتْ بثقلِ الدُّرِّ ضوعفَ نسجها
فَجَرَتْ عليه عَسجداً محلولا

أمُديرَها من حيثُ دارَ لَشَدّ مَا
زاحمتَ حولَ ركابهِ جبريلا

ذعرتْ مواكبهُ الجبالَ فأعلنتْ
هضباتها التَّكبيرَ والتَّهليلا

قد ضمّ قطريها العجاجُ فما ترى
بينَ السِّنانِ وكعبهِ تخليلا

رُفِعَتْ له فيها قِبابٌ لم تكُنْ
ظُعْناً بأجراعِ الحِمى وحمولا

أيكِيّة ِ الذهَبِ المرصَّعِ رَفَرفَتْ
فبها حمامٌ ما دعونَ هديلا

وتُبَاشِرُ الفلكَ الأثيرَ كأنّمَا
تَبغي بهِنَّ إلى السماء رَحيلا

تدنى إليها النُّجبُ كلُّ عذافرٍ
يهوي إذا سارَ المطيُّ ذميلا

تتعرَّفُ الصُّهبُ المؤثَّلَ حولهُ
نَسَباً وتُنكِرُ شَدقماً وجَديلا

و تجنُّ منهُ كلُّ وبرة ِ لبدة ٍ
لَييْثاً وَيحمِلُ كُلُّ عُضْوٍ فيلا

وتَظُنَّهُ مُتَخمِّطاً من كِبْرِهِ
وتَخَالهُ متنمِّراً لِيَصُولا

و كأنّما الجردُ الجنائبُ خرَّدٌ
سفرتْ تشوقُ متيَّماً متبولا

تَبْدو عليها للمعِزِّ جَلالَة ٌ
فيكونُ أكثرُ مشيها تبجيلا

ويَجِلُّ عنها قَدرُه حتى إذا
راقتهُ كانتْ نائلاً مبّذولا

من كلّ يعبوبٍ يحيدُ فلا ترى
إلاّ قَذالاً سامِياً وتَلِيلا

و كأنّ بينَ عنانهِ ولبانهِ
رشأً يريعُ إلى الكناس خذولا

لَوْ تَشْرَئِبُّ لهُ عقيلة ُ رَبْرَبٍ
ظنّتهُ جؤذرا رملها المكّحولا

إنْ شِيمَ أقبَلَ عارضاً مُتهلِّلاً
أو ريعَ أدبرَ خاضباً إجفيلا

تَتَنزّلُ الأروى على صَهَواتِهِ
ويبِيتُ في وَكْرِ العُقابِ نزيلا

يهوي بأمِّ الخشفِ بينَ فروجهِ
ويُقَيِّدُ الأدمانَة َ العُطْبُولا

صلتانة ُ يعنفُ بالبروقِ لوامعاً
ولقد يكونُ لأمّهِنّ سَليلا

هذا الذي ملأَ القلوبَ جلالة ً
هذا الَّذي تركَ العزيزَ ذليلا

فإذا نظرتَ نظرة َ غيرَ مشبَّهٍ
إلاّ التِماحَكَ رايَة ً ورَعِيلا

يوْمٌ تجلّى الله من مَلَكُوتِهِ
فرآكَ في المرأى الجليلِ جَلِيلا

جلَّيتَ فيهِ بنظرة ٍ فمنحتهُ
نظراً برؤية ِ غيرهِ مشغولا

وتَحَلّتِ الدّنْيا بسِمْطَيْ دُرِّهَا
فرأيتها شخصاً لديكَ ضئيلا

و لحظتَ منبركَ المعلَّى راجفاً
من تحتِ عِقْدِ الرّايَتَينِ مَهُولا

مسدولَ سترِ جلالة ٍ أنطقتهُ
فرفعْتَ عن حِكَمِ البيانِ سُدُولا

وقَضَيْتَ حَجَّ العامِ مُؤتَنِفاً وقَدْ
وَدَّعْتَ عاماً للجِهادِ مُحِيلا

وشَفعْتَ في وَفْدِ الحجيجِ كأنّما
نفَّلتهم إخلاصكَ المقبولا

و صدرتَ تحبو النّاكثين مواهباً
هَزّتْ قَؤولاً للسّماحِ فَعُولا

و هي الجرائمُ والرَّغائبُ ما التقتْ

قد جُدْتَ حتى أمَّلَتْكَ أُمَيّة ٌ
لو أنَ وِتْراً لم يُضِعْ تأميلا

لم يخْلُ جَبّارُ المُلوكِ بِذِكْرِهِ
إلاّ تَشَحَّطَ في الدماء قتيلا

و كأنّ أرواحَ العدى شاكلنهُ
فإذا دعا لبّى الكميَّ عجولا

وإذا اسْتَضاء شِهابَهُ بطلٌ رأى
صُوَرَ الوقائعِ فوقه تَخْييلا

و غذا تدبَّرهُ تدبَّرَ علّة ً
للنَّيرَاتِ ونَيّراً مَعْلُولا

لكَ حسنهُ متقلَّداًو بهاؤهُ
متنكبَّاً ومضاؤهُ مسلولا

كتَبَ الفِرنْدُ عليه بعضَ صِفاتكُمْ
فعرفتُ فيهِ التاجَ والإكليلا

قد كاد يُنْذِرُ بالوعِيدِ لِطولِ مَا
أصغى إليك ويعلمْ التأويلا

فإذا غضبتَ علتهُ دونكَ ربدة ٌ
يغدو لها طرفُ النهارِ كليلا

و إذا طويتَ على الرَّضى اهدى إلى
شمس الظَّهيرة ِ عارضاً مصقولا

سمّاهُ جدُّكَ ذا الفقارِ وإنّما
سمّاهُ منْ عاديتَ عزرائيلا

و كأنْ بهِ لم يبقِ وتراً ضائعاً
في كربلاءَ ولا دَماً مَطلولا

أو ما سمعتمْ عن وقائعهِ التي
لم تبقِ إشراكاً ولا تبديلا

سارتْ بها شيعُ القصائدِ شرَّداً
فكَأنّما كانَتْ صَباً وقَبُولا

حتى قَطَعْنَ إلى العراقِ الشأمَ عن
عُرُضٍ وخُضنَ إلى الفُراتِ النيلا

طلعتْ على بغداد بالسَّيرِ الَّتي
سيَّرتها غرراً لكمْ وحجولا

أجْلينَ مِنْ فِكَري إذا لم يسمعوا
لسيوفهنَّ المرهفاتِ صليلا

و لقد هممتُ بأنْ أفكَّ قيودها
لمّا رأيتُ المحسنينَ قليلا

حتى رأيتُ قصائي منحولة ً
و القولَ في أمِّ الكتابِ مقولا

وَلَئِنْ بَقِيتُ لأُخْلِيَنَّ لِغُرِّهَا
ميدانَ سبقي مقصراً ومطيلا

حتى كأنِّي ملهمٌ وكأنَّها
سورٌ أرتِّلُ آياتها ترتيلا

تلك المهنَّدة ُ الرِّقاقُ فلولا

ولقد رأيتُكَ لا بلَحْظٍ عاكِفٍ
فرأيتُ من شيمِ النبيّ شكولا

و لقد سمعتكَ لا بسمعي هيبة ً
لكنْ وجدَتُكَ جوهراً معقولا

أبني النّبوّة ِ هل نبادرُغاية ً
و نقولُ فيكم غيرَ ما قد قيلا

إنّ الخبيرَ بكم أجَدَّ بخُلقكم
غيباً فجرَّدَ فيكمُ التنزيلا

آتاكمُ القدسَ الذي لم يؤتهِ
بشراً وأنفذَ فيكمُ التَّفضيلا

إنّا إستلمنا رُكْنَكُم ودَنوتُمُ
حتى استلمتمْ عرشهُ المحمولا

فوصلتُمُ ما بيْنَنَا وأمدَّكُمْ
برهانهُ سبباً به موصولا

ما عذركم أن لا تطيبَ فروعكمْ
ولقد رسختُمْ في السماء أُصولا

أعطتكم شمُ الأنوفِ مقادة ً
وركبتُمُ ظَهْرَ الزّمانِ ذَلولا

خَلّدْتُمُ في العبشمِيّة ِ لَعْنَة ً
خلقتْ وما خلقوا لها تعجيلا

راعَتْهُمُ بكمُ البُروقُ كأنّمَا
جرَّدتموها في السحابِ نصولا

في مَن يظُنّونَ الإمامة ٍ منهُمُ
إنْ حصّلتْ أنسابهمْ تحصيلا

مِنْ أهْلِ بَيْتٍ لم يَنالوا سَعْيَهُم
من فاضلٍ عدلوا به مفضولا

لا تَعْجَلوا إنّي رأيتُ أناتَكْمْ
وطئاً على كتدِ الزمان ثقيلا

أمُتَوَّجَ الخُلَفاءِ حاكِمْهُم وإنْ
كان القضاءُ بما تشاءُ كفيلا

فالكتبُ لولا أنّها لكَ شهَّدٌ
ما فُصِّلَتْ آياتُهَا تفصيلا

الله يَجزيكَ الذي لم يَجْزِهِ

و لقد براكَ وكنتَ موثقهُ الذي
أخذَ الكِتابَ وعهْدَهُ المسؤولا

حتى إذا استرعاكَ أمرَ عِبادهِ
أدْنَى إليهِ أباكَ إسماعيلا

من بينِ حجبُ النُّور حيثُ تبوّأتْ
آباؤهُ ظِلَّ الجِنانِ ظَليلا

أدّى أمانتهُ وزيدَ منَ الرّضى
قرباً فجاورهُ الإلهُ خليلا

ووَرثتَهُ البُرْهانَ والتِّبيانَ والـ
ـفُرْقانَ والتّوراة َ والأنجيلا

وعلمتُ منْ مكنونِ علمِ اللهِ ما
لمْ يؤتِ جبريلاً وميكائيلا

لو كنتَ آوِنَة ً نَبِيّاً مُرْسَلاً،
نُشرَتْ بمبعثِكَ القُرونُ الأولى

أو كنتَ نُوحاً مُنذِراً في قومِهِ
ما زادَهم بدُعائهِ تَضليلا

لله فيكٍ سريرَة ٌ لوْ أُعلِنَتْ
أحيا بذكركَ قاتلٌ مقتولا

لو كانَ أعطَى الخَلْقَ ما أُتيتَهُ
لم يَخْلُقِ التّشبيهَ والتمثيلا

لولا حجابٌ دونَ علمكَ حاجزٌ
وَجَدوا إلى عِلمِ الغُيُوبِ سَبيلا

لولاكَ لمْ يكنْ التّفكرُ واعظاً
والعقلُ رُشْداً، والقياسُ دَليلا

لو لم تكُنْ سَبَبَ النّجاة ِ لأهْلِها
لم يُغْنِ إيمانُ العِبادِ فَتيلا

لو لم تُعَرِّفْنا بذاتِ نُفُوسِنا
كانتْ لدينا عالماً مجهولا

لو لمْ يفضْ لكَ بالبريّة ِ نائلٌ
كانَت مُفوَّفَة الرّياضِ مَحُولا

لو لم تكن سكَنَ البلادِ تَضَعضَعتْ
ولَزُيِّلَتْ أركانُها تَزييلا

لو لمْ يكنْ فيكَ اعتبارٌ للورى
ضَلُّوا فلم يَكُنِ الدليل دليلا

نَبِّهْ لنا قَدْراً نَغيظُ بهِ العِدَى
فلقدْ تجهمنا الزّمانُ خمولا

لو كنتَ قبلَ تكونُ جامعَ شملنا
ما نيلَ منْ حُرماتنا ما نيلا

نَعْتَدُّ أيْسَرَ ما ملكتَ رقابَنَا
وأقَلَّ ما نَرجو بكَ المَأمولا