أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي - حيدر بن سليمان الحلي

أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي
فأنا اللديغُ وأدمعي درياقي

باتت تساورُ وهي غير ضئيلة ٍ
حتى رشحن بسمّها آماقي

لا راق نفسي العيشُ بعدك ليلة ً
ضربت عليَّ بأسدف الأرواق

أثكلتنيها يا ثكلتك قبلها
غرراً أعزَّ عليَّ من أحداقي

فأعدت لي في فقد أطيب معرقٍ
في المجد مفقدَ طيّب الأعراق

ذهباً بأيام خطرت مع الهوى
لوقتْك من دمها العفاة ُ بما وقى

زمناً لبستُ حريرها ونضوتها
عن جدَّة ٍ وأبيك لا الأخلاق

فلأندبن اليوم صالحَ عهدها
ولأبكين نفائسَ الأعلاق

ولأحلبنَّ من الشجون حشاشتي
دمعاً كمندفق الحيا المهراق

أمرقصاً دمعي وأخلاقي معاً
بنشائد «الخنساء» لا «إسحاق»

فرّق بأقتلها مجامعَ أضلعي
إنَّ المكارم آذنت بفراق

قتلت أسى ً لأغرَّ لولا جودُه
قتل الزمان بنيه من إملاق

فأزلْ بنعيك في الورى رمق الورى
فالموتُ زال بممسك الأرماق

هذا "أبو حسن" استقلَّ مشيَّعاً
لكن بنعشٍ لا متون عتاق

ومشت وراء سريره من هاشمٍ
غلبُ الرقاق خواضع الأعناق

متماسكين من الحياء تهافتت
قطعاً قلوبُهم من الإقلاق

يا راحلاً بالصبر حمَّل قومَه
عبثاً من الأرزاء غير مطاق

خرجتْ تمنّي لو بهاشم كلّها
خرجت وأنت لمجد قومك باقي

فلو افتدى بسواه غيرُك أو وقى
من حدِّ أسياف المنيَّة واقي

لو قتْك من دمعها العفاة ُ بما وقى
بوفاء ماء سماحك الرقراق

ولغيَّمت بالنقع دونك هاشمٌ
حتى تسدَّ مطالع الآفاق

وأتتك ترعد بالصواهل واغتدت
بالبيض تبرقُ أيَّما إبراق

ولأمطرت بدمٍ سقت شوك القنا
منه بأغزر وابلٍ دفّاق

ولقارعت عنكَ الردى وشعارها
أنا من أمرَّ اليوم طعمَ مذاقي

ولأقبلتْ بك يا عميدَ سراتها
والموت بين يديك رهنُ وثاق

وأظن أنك والتكرّم شأنكم
كرماً تمنُّ عليه بالإطلاق

فيردن أفئدة ٌ لهنَّ لظى الجوى
لم تبقِ باقية ً على الإحراق

لكن دُعيتَ وأيُّ خلقٍ لم يكن
ليجيب دعوة قاهرٍ خلاّق

فمضى الردى بك راغباً بطلاقها
دنياً تجدُّ تبعلاً بطلاق

معشوقة ٌ وهي الملالُ وإنها
لعلى الملال كثيرة العشاق

سارٍ على أيدٍ رفعن برفعها
منك البنان مفاتح الأرزاق

اعتقن من رقَّ الزمان كرامه
فجمعن بين الرقِّ والإعتاق

ودعت وقد رفعت عقيرتها العُلى
الله أين بمثقل الأعناق

فبرغم أنفى اليوم حطَّك في الثرى
مَن كنت أرفعه على الأحداق

فلو استطعتُ عن التراب رفعته
بالوضع بين ترائبٍ وتراقى

واهاً لتربة ذلك الجدث الذي
فيه دفنت مكارم الأخلاق

مصت ندى تلك البنان فأعطشت
عودَ الرجاء وكان ذا ايراق

إيهاً صروف الدهر دونك في الورى ابـ
ـتدرى بلا فرقٍ ولا اشفاق

غطي التراب على قريعك وابرزي
في الناس كاشفة ً لهم عن ساق

قدرٌ رمى شجرَ العلوم بمعطشٍ
فشكت أعاليه جفاف الساق

وذوى وزال عن القلوب لفقد مَن
قد كان بحراً والقلوبُ سواقى

سُلبتْ نضارته وغودر عن يدي
طلاّبه متساقطَ الأوراق

يا نازلاً غرف الجنان وباركَ الـ
ـصبَّ المشوق بقاتم الأعماق

وفدت عليك صلاة ُ ربك شائقاً
منعت إليه وفادة َ المشتاق

فاذهب وحسبُك للعلى "بمحمدٍ"
فعلاه لا يرقى إليها الراقى

عرجت به لسماء فضلك همة ٌ
قالت: أجلُّ من البراق براقي

هذا الذي ورث النبوَّة علمَها
ومن الإمامة حل أيَّ رواق

ولقد أقولُ لمن بغاه بضغنه
أقصرْ فلستَ تناله بلحاق

عجباً طمعت بمن يروضك عالماً
إنَّ القلوب تراضُ بالإرفاق

لا تقرَّبن الصلَّ نضنض مطرقاً
فالصلُّ سورته مع الإطراق

هو و«الحسين» كلاهما قمرا عُلى
في فتية ٍ هم أنجم الآفاق

من كلّ نهاض العزائم حائزٍ
قصبَ الرهان بيوم كلِّ سباق

خطبت لهم بكر العُلى وهمُ لها
جعلوا جميل الذكر خيرَ صداق

فبنوا بخير عقيلة ٍ ما راعها
صرفُ النوائب منهم بطلاق

لولاهم غدت القلوبُ كمضغة ٍ
بلهى الخطوب تلاكُ بالأشداق

ولأطبقت ظلمُ الرزيَّة واختفى
ضوءُ السلوِّ بذلك الإطباق

فهم البدورُ تفاوتت بطلوعها
في المجد لا في التمّ والإشراق

المجدُ أطلعها وقال معوّذاً
لا نِيْلَ باهرُ مجدكم بمحاق