أسبَلنَ من فَوقِ النّهودِ ذَوائِبا، - صفي الدين الحلي

أسبَلنَ من فَوقِ النّهودِ ذَوائِبا،
فجَعَلَنَ حَبّاتِ القُلوبِ ذَوائِبَا

وجَلَونَ من صُبحِ الوُجوهِ أشِعْة ً،
غادرنَ فودَ الليلِ منها شائبَا

بِيضٌ دَعاهنّ الغبيُّ كَواعِبا،
ولو استبانَ الرشدَ قالَ كواكبَا

وربائِبٌ، فإذا رأيتَ نِفارَها
مِن بَسطِ أُنسك خِلتهنْ رَبارِبَا

سَفَهاً رأينَ المانَويّة َ عِندَما
أسلبنَ من ظلمِ الشعورِ غياهبَا

وسَفَرنَ لي فَرأينَ شَخصاً حاضراً،
شُدِهتْ بَصِيرَتُه، وقَلباً غائِبَا

أشرقنَ في حللٍ كأنّ وميضَها
شفقٌ تدرَّعُهُ الشموسُ جلاببَا

وغربنَ في كللٍ، فقلتُ لصاحبي:
بأبي الشموسَ الجانحاتِ غواربَا

ومُعَربِدِ اللّحَظاتِ يَثني عِطفَهُ،
فُخالُ مِن مَرَحِ الشّبيبَة ِ شارِبَا

حلوِ التعتبِ والدلالِ يروعُهُ
عَتبي، ولَستُ أراهُ إلاّ عاتِبَا

عاتَبتُهُ، فتَضرّجَتْ وجَناتُهُ،
وازوَرّ ألحاظاً وقَطّبَ حاجِبَا

فأذابَني الخَدُّ الكَليمُ وطَرفُه
ذو النّون، إذْ ذهبَ الغَداة َ مُغاضِبَا

ذو منظرٍ تغدو القلوبُ لحسنِهِ
نهباً، وإنْ منحَ العيون مواهِبَا

لابدعَ إن وهبَ النواظرَ حظوة ً
نِعَماً، وتَدعوهُ القَساوِرُ سالِبَا

فمَواهبُ السّلطانِ قد كَستِ الوَرَى

ملكٌ يَرى تعبَ المكارمِ راحة ً،
ويعدُّ راحاتٍ القراعِ متاعبَا

بمكارم تذرُ السباسبَ أبحراً؛
وعَزائِمٍ تَذَرُ البحارَ سَباسِبَا

لم تخلُ أرضٌ من ثناهُ، وإن خلت.
من ذكره ملئتْ قناً وقواضبَا

ترجى مواهبهُ ويرهبُ بطشُه،
مثلَ الزّمانِ مُسالِماً ومُحارِبَا

فإذا سَطا ملأ القُلوبَ مَهابَة ً؛
وإذا سخا ملأ العيونَ مواهبَا

كالغيثِ يبعثُ من عطاهُ وابلاً
سبطاً، ويرسلُ من سطاه حاصبَا

كاللّيثِ يَحمي غابَهُ بزَئيرِهِ،
طَوراً، ويُنشِبُ في القَنيصِ مَخالبَا

كالسيفِ يبدي للنواظرِ منظراً
طَلقاً، ويُمضي في الهِياجِ مَضارِبَا

كالبَحرِ يُهدي للنّفوسِ نَفائِساً
منهُ، ويُبدي للعيونِ عَجائِبَا

فإذا نظرتَ ندى يديهِ ورأيهُ
لمْ تُلفِ إلاّ صائِباً أو صائِبَا

أبقى قلاونُ الفخارَ لولدهِ
إرثاً، وفازوا بالثّناءِ مَكاسِبَا

قومٌ، إذا سئموا الصوافنَ صيّروا
للمجدِ أخطارَ الأمورِ مراكبَا

عَشِقوا الحُروبَ تَيَمّناً بِلقَى العِدى ،
فكأنهمْ حسبُوا العداة َ حبائبَا

وكأنّما ظَنّوا السّيوفَ سَوالِفاً،
واللُّدنَ قَدّاً، وللقِسيَّ حَواجِبَا

يا أيها الملكُ العزيزُ، ومن لهُ
شَرفٌ يَجُر على النّجومِ ذَوائِبَا

أصلحتَ بينَ المسلمينَ بهمة ٍ
تذرُ الأجانبَ بالودادِ أقاربَا

ووهبتهم زمنَ الأمانِ، فمن رأى
ملكاً يكونُ لهُ الزمانُ مواهبَا

فرأوا خِطاباً كانَ خَطباً فادِحاً
لهمُ، وكتباً كنّ قبلُ كتائبَا

وحَرَستَ مُلكَكَ من رَجيمٍ مارِدٍ
بعزامٍ إنْ صلتَ كنّ قواضبَا

حتى إذا خَطِفَ المكافحُ خَطفَة ً،
أتبعتهُ منها شهاباً ثاقبَا

لا يَنفَعُ التّجريبُ خَصمَكَ بعدَما
أفنيتَ من أفنى الزمانَ تجاربَا

صرمتَ شملَ المارقين بصارمٍ،
تبديهِ مسلوباً فيرجعُ سالبَا

صافي الفرندِ حكى صباحاً جامداً،
أبدى النجيعَ به شعاعاً ذائبَا

وكتيبَة ٍ تَذَرُ الصّهيلَ رَواعَداً،
والبيضَ برقاً، والعجاجَ سحائبَا

حتى إذا ريحُ الجِلادِ حَدَتْ لها
مَطَرَتْ فكانَ الوَبلُ نَبلاً صائِبَا

بذَوائِبٍ مُلدٍ يُخَلنَ أراقِماً،
وشَوائِلٍ جُردٍ يُخَلنَ عَقارِبَا

تطأُ الصّدورَ مِنَ الصّدورِ كأنّما
تعتاضُ من وطءِ الترابِ ترائبَا

فأقَمتَ تَقسِمُ للوُحوشِ وظائِفاً
فيها، وتصنعُ للنسورِ مآدبَا

وجَعلتَ هاماتِ الكُماة ِ مَنابراً،
وأقمتَ حدّ السيفِ فيها خاطبَا

يا راكِبَ الخَطَرِ الجَليلِ وقَولُهُ
فخراً بمجدكَ، لا السيفِ فيها خاطبَا

صَيّرتَ أسحارَ السّماحِ بواكِراً،
وجعلتَ أيامَ الكفاحِ غياهبَا

وبذَلتَ للمُدّاحِ صَفوَ خَلائِقٍ،
لو أنّها للبحرِ طابَ مشاربَا

فرأوْكَ في جَنبِ النُّضارِ مُفَرِّطاً،
وعلى صلاتكَ والصلاة ِ مواظبَا

إنْ يَحرُسِ النّاسُ النُّضارَ بحاجِبٍ
كانَ السماحُ لعينِ مالكَ حاجبَا

لم يَملأوا فيكَ البُيوتَ غَرائِباً،
إلاّ وقد مَلأوا البيوتَ رَغائِبَا

أولَيتَني، قبلَ المَديحِ، عِناية ً،
وملأتَ عَيني هَيبَة ً ومَواهِبَا

ورفعتَ قدري في الأنامِ، وقد رأوا
مثلي لمثلكَ خاطباً ومخاطبَا

في مجلسٍ ساوَى الخلائقَ في النّدى
وترتبتْ فيهِ الملوكُ مراتبَا

وافَيتُهُ في الفُلكِ أسعَى جالِساً،
فخراً على من جاءَ يمشي راكباً

فأقَمتُ أُنفِذُ في الزّمانِ أوامِراً
منّي، وأُنشبُ في الخطوبِ مَخالِبَا

وسقتنيَ الدنيا غداة َ أتيتهُ
رَيّاً، وما مَطَرَتْ عليّ مَصائِبَا

فطفقتُ املأُ من ثناكَ ونشرهِ
حِقَباً، وأملأ من نَداكَ حَقائِبَا

أثني فتثنيني صفاتُك مظهراً
عِيّاً، وكم أعيَتْ صِفاتُك خاطِبَا

لو أنّ أغصاناً جَميعاً ألسُنٌ
تُثني علَيكَ لمَا قَضَينَ الواجِبَا