أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُصْنِ بانْ - عبد الجبار بن حمديس

أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُصْنِ بانْ
تَصدّعتْ منك حصاة ُ الجَنَانْ

وأذكرَتْهُ من زمانِ الصّبا
طيبَ المغاني والغواني الحسان

كيفَ رَمَتْ بالنّارِ أحشاءَهُ
ذاتُ هديلٍ في رياضِ الجِنانْ

يُرنّحُ الغصنَ نسيمٌ بها
معانقٌ بين الغصون اللدان

ومقلتاها لو بكتْ عنهما
فاللؤلؤ الرّطبُ له مقلتان

ما ذاك إلاّ لنوى غربة ٍ
قسا عليها الدهرُ فيها ولانْ

حمامة َ الأيك أبيني لنا
من أين للعجماء نُطقُ البيان

هل خانكِ المخزونُ من دمعة ٍ
بكى بها عنك فمن خان هان

يا ليلة ً عنّتْ لعيني شجٍ
للدمع ما بينهما لجّتانْ

سوداءُ تْخفي بين أحْشائِهَا
من فَلَقِ الإصباح طفلاً هِجان

كأنما قرطُ الثريا لَهُ
في أُذْنِها خَفَقُ فؤادِ الجبان

كأنما فوقَ قذالِ الدجى
لجامُ طرفٍ ما له من عنان

كأنَّما الإظلام بحرٌ طما
والشرقُ والغربُ له ساحلان

كأنَّما الخضراءُ من زُهْرِها
روضة خرقٍ نورها أقحوان

كأنَّما النَّسران قد حَلّقَا
كي يُبْصِرَا حَرباً تُثِيرُ العُثَان

كأنما انقضّا وقد آنسا
مصارعَ القتلى التي ينعيانْ

كأنَّما الجوزاءُ مختالة ٌ
تسحبُ فضلاً من رداء العنان

كأنها راقصة ٌ صوّبَتْ
وزاحمَ الغربَ بها منكبان

كأنَّما شُدّتْ نطاقاً فما
تبدو لها تحتَ ثيابٍ يدان

كأنَّما الشهبُ الّتي غَرّبَتْ
شهبُ خيولٍ في استباقِ الرّهان

كأنَّما الصّبحُ لهُ راحة ٌ
تلقط في الآفاق منها جمان

نَكّبْتُ عن ذِكْرِ الهوى والمها
ونفيها للشيخِ غير الهوان

واهاً لأيّام الشباب الذي
ظلّ به يحلم حتى اللسان

سلني عن الدّنْيا فعندي لها
في كلّ فنّ خبرٌ أو عيانْ

فما على الأرض عليمٌ بما
تجتمع الشهبُ له في القران

ولا مكانٌ تتجارى به
خيلُ القوافي غيرُ هذا المكان

ولا ندى فيه ضروبُ الغنى
إلاَّ ندى هذا، مليكِ الزّمان

هذا عليٌّ نجل يحيى الّذي
في قَصْدِهِ نيلُ المنى والأمان

هذا الذي في الملك أضحى له
عرضٌ مصونٌ، ونوالٌ مُهانْ

هذا الذي شامَ لنصرِ الهُدى
منْ غيرِ شمّ كلَّ عَضْبٍ يمان

مَنْ بشرُهُ تَرْجَمَ عن جوده
والجود في البشر له ترجمان

من تلزمُ الناسَ له طاعة ٌ
قد أمرَ اللهُ بها في القُرآنْ

فمشرقا الأرضِ على فضله
لمغربيها أبداً حاسدان

القاتلُ الفقرَ بسيفِ الغنى
بحيثُ حدّاهُ له راحتان

والثابتُ الحلمِ إذا ما هفتْ
له من الحلم هضابُ الرّعان

لا يَعْرِضُ المطلُ لانجازه
ولا يشين المنّ منه امتنان

تمنّ ما شئتَ على فضله
من الأماني وعليه الضمان

مُملَّكٌ تخفقُ راياته
فيتّقيهِ مَنْ حوَى الخافقان

لقاؤه مُرْدٍ لأقرانه
إذا تلاقتْ حلقات البطان

يبني بركضِ الجرد من أرضه
سماءَ نقع يومَ حربٍ عوان

يكرّ كاللّيْثِ مُبيدا إذا
ما عرّدَ النكسُ وخامَ الهدان

ضرْباً وطعناً بشبا مُنصُلٍ
كأنَّه لفظٌ له معنيان

نورُ هُدى ً في الصدر من دسته
ونارُ بأسٍ فوقَ ظهر الحصان

لا تخشَ من كيد عدوّ الهدى
إنّ عليّاً لعليهِ مُعانْ

عانى خداعَ الحربِ طفلاً فما
يُقعْقعُ القِرْنُ له بالشنان

حمى حِمى الإسلام من ضَيمهِ
واستنصرَ الحقَّ به واستعان

يقدّمُ الأبطال في جحفلٍ
والطيرُ والوحش له جحفلان

معتادة ً أكْلَ لحوم العدى
عذت خماصا ثم راحت بطان

من كلّ ذئبٍ أو عُقابٍ له
كلَّ مكرٍ، فيه شلوٌ خِوانْ

من كلّ مرهوب الشّذا مُقدمٍ
بَرْدٌ عليه حرُّ لذْعِ الطّعان

يِغْشَى بهِ الطِّرْفُ صدورَ القنا
فهو سليمُ الرّدْفِ دامي اللبان

إذا التقى الجمعان في مأزقٍ
وفلّ بالطعن سنانٌ سنانْ

يامن يُفيضُ العرفَ من راحة ٍ
مفاتحُ الأرزاقِ منها بنان

بقيتَ للجود حليفَ العُلى
فأنتَ والجودُ رضيعاً لبانْ

وإن تلاكَ العيدُ في بهجة ٍ
فأنْتَ عيدٌ أوّلٌ، وهو ثان